مايسة السلكاوى تكتب: من الأنتكخانة إلى المتحف الكبير
منذ أيام بدأ التشغيل التجريبى للمتحف الكبير .. حقيقى المشروع رائع يليق بحجم وعراقة الحضارة المصريىة القديمة ، لا تعتمد قيمته فى كونه أكبر متحف فى العالم إنما تعتمد على ما يضمه من كنوز أثرية عظيمة منها تماثيل لأجدادنا لا نظير لها فى العالم . معظم المتاحف المعروفة تضم مجموعات أثرية لمختلف الحضارات فى حين يضم المتحف الكبير حتى الآن 50 ألف قطعة أثرية تمثل فقط الحضارة المصرية القديمة .
فى 15 نوفمبر 1902م تم الإفتتاح الرسمى للأنتكخانة بميدان الإسماعيلية “التحرير” بعد رحلة طويلة بدأت سنة 1835م تنقل خلالها بين أماكن مختلفة . وإذا كان الفيضان السبب فى بناء الأنتكخانة فإن تكدس المعروضات الأثرية السبب فى إنشاء المتحف الكبير ، إذ أوضح تلك الأسباب وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسنى فى لقاءاته قائلا أنه كان يشعر بالإحباط عقب كل زيارة له للمتحف المصرى بالتحرير رغم بناؤه العظيم كمتحف ، إلا انه أصبح مكتظا بالتماثيل العملاقة وكم هائل من القطع الأثرية بخلاف المتواجد بالمخازن .
لعبت الصدفة دورها حين التقى بصديق له إيطالى وقد سأله : كيف حال مخزن الآثار ؟ وكان يقصد المتحف ، فشعر بالإستفزاز فرد بتلقائية ، سنقيم متحفا كبيرا ! ومنذ تلك اللحظة قرر إتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ المشروع وحصل بالفعل على موافقة إنشاء المتحف الكبير إعتمادا على أن المشروعات العملاقة تجد التمويل ، وبادرت اليابان بتقديم 300 مليون دولار منحة بفائدة بسيطة على 20 سنة وقدمت الصناديق التابعة للوزارة ما لديها من أموال وتم وضع حجر الأساس 2002م ، وعلى مدى 4 سنوات تم عمل دراسات الجدوى شملت كل ما يخص الموقع من ميكانيكا التربة والرياح والزلازل وغيرها . وفى مسابقة لإختيار أفضل تصميم تقدم 1557 بيت خبرة معمارى أختير أحدهم واستطاع المصمم إستغلال “تبة” بالموقع بحيث أدخل الهرم من ضمن معروضات المتحف الذى يضم معامل ترميم وتخزين أقيمت بأحدث التقنيات .
أدرك المصريون أهمية الحفاظ على الأثار القديمة حين طلب شامبليون من محمد على باشا خلال زيارته لمصر لاول مرة من 1828م وحتى 1830م اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المعابد والقصور والقبور وكافة أنواع الآثار التى تشهد على قوة وعظمة مصر القديمة . أدرك الباشا تلك الأهمية وأصدر فرامانات لحمايتها إلى أن تم إختيار مكان فى حديقة الأزبكية 1835م لتجمع فيه الآثار ثم تم نقلها إلى القلعة ، إلى أن فكر عالم الآثار الفرنسى “مارييت” وكان يعمل باللوفر فى إنشاء متحف بولاق على النيل 1869م إلا أنه بعد عشر سنوات تسبب الفيضان بأضرار جسيمة للآثار فأغلق المتحف ونقلت المعروضات إلى ملحق بقصر الجيزة .
كان من الطبيعى أن يتحول سلوك العامة من المصريين فى نظرتهم لهذه الآثار القديمة والتى لم يكن يعرفوا قيمتها وقد قامت الحكومة بالتنقيب عنها ، ومن جهته قام الخديو إسماعيل بدعوة الزائرين الأجانب لزيارة المعابد الفرعونية وإقتناء بعض من الآثار بأثمان باهظة . وعرفت تجارة الآثار سواء الحقيقية أو المقلدة والبعض قام بالكتابة على الخراطيش وصنع الجعران والكتابة عليه.
كان مارييت مغرما بكشف النقاب عن كل ما هو مصرى قديم وله اكتشافات متعددة ومهمة منها السرابيم أى معبد الإله سيرابيس 1851م وكان به قبو لعدد 64 عجلا من العجول المعروفة باسم أبيس كما أكتشف أكثر من ألفى أبى هول وما يقرب من 5ألآف تمثال ونقش وثمانية تماثيل مجسمة .
يروى أنه عندما عثر مارييت على مومياء ” مرى إن راع ” من الأسرة السادسة بدهشور وأراد أن نقلها إلى متحف بولاق فحملها العمال إلى البدرشين لنقلها بالقطار فقاموا بوضعها على ظهر حمار فكانت أطرافها متدليه بشكل مهين ، وأرادوا ركوب القطار فوقع ناظر المحطة فى حيرة لأنه لم يسمع من قبل بكلمة “مومياء” ولم يجد لها تسعيرة فقطع لهم تذاكر بالدرجة الأولى بإعتبار المومياء فرد . وعندما أرادوا عبور كوبرى بولاق وكان برسوم ولم تكن المومياء معروفة بالطبع فيفتق أحدهم قائلا : ألا ترون أنها فسيخة ؟ فقال رفاقه حقا إنها فسيخة ! فأخذوا عليها رسوم فسيخة !
أما الأنتكخانة “المتحف المصرى ” بالتحرير فقد وضع تصميمة المعمارى الفرنسى مارسيل دورنون 1897م ونتقلت إليه المجموعات الأثرية من قصر الجيزة كما نقل ضريح مارييت إلى حديقة المتحف تلبية لوصيته ، فكان يأمل أن يتم بناء متحف يليق بالحضارة المصرية . وتم إفتتاح المتحف رسميا فى نوفمبر 1902 ، وعند إكتشاف مقبرة توت عنخ آمون 1922م عرضت جميع القطع التى عثر عليها داخلها بالمتحف المصرى ومتحف الأقصر .