حازم عبده يكتب: في ضيافة “السادات”
هادئة تنبض بالحياة في آن معاً، هي إحدى المدن الجديدة التي خطط لها وأطلقها بطل الحرب والسلام، الرئيس الراحل محمد أنور السادات، أراد لها أن تكون بمثابة العاصمة الجديدة لموقعها الفريد الذي يشبه موقع مصر نفسها، فهي في منطقة وسطى، تشرف على محافظات الدلتا شرقاً، وتنام في حضن محافظة البحيرة مترامية الأطراف لتكون رئة لامتداداتها العمرانية، وتفرد جناحها الأيسر على القاهرة والجيزة، وجناحها الأيمن على الإسكندرية، فهي عاصمة بين العاصمتين، تنظر إلى غروب الشمس وهي ترخي سدولها على أديرة وادي النطرون التاريخية.
“مدينة السادات” من أحب المدن الجديدة إلى نفسي، خفيفة الظل رشيقة، أعبر قلبها جيئة وذهاباً في طريقي إلى أقاربي وأبناء عمومتي في منطقة التحدي- مركز بدر، محافظة البحيرة، لأستمتع بخضرتها وهدوئها وحيوتها، فهي مدينة صناعية محاطة بمزارع الخضر والفاكهة، وأشجار الليمون والبرتقال ومزارع المانجو، قلبها يرفرف بين الأشجار والغابات، هواؤها الأنقى من بين المدن الصناعية عالمياً، تتناثر بناياتها على شوارعها المنظمة كحبات الؤلؤ.
يحرس مدينة السادات حزام رائع من الأديرة الأثرية والحديثة، هي الأكثر عدداً والأكبر مساحة في العالم، فغرب المدينة نجد أديرة وادي النطرون الشهيرة، ومنها دير الأنبا مقار الذي تعادل مساحةته دولة الفاتيكان خمساً وعشرين مرة، ودير الأنبا بيشوي ودير العذراء السريان، ومساحتمها معاً تعادل مساحة الفاتيكان أربعة عشرة مرة، ويضم دير الأنبا بيشوي المقر البابوي وهناك دفن البابا شنودة الثالث، ودير البراموس بوادي النطرون، وتحيط بالمدينة من الجهات الجنوبية والشرقية والشمالية، أديرة مار بقطر والأنبا توماس بالخطاطبة، والقديسة مارينا للراهبات ويحنس القصير ومكاريوس السكندري، كل ذلك يجعل المدينة أيضاً قبلة سياحية عالمية، حيث يقصد هذه الأديرة عشاق من مختلف دول العالم وليس من مصر وحدها.
تعود نشأة مدينة السادات الواقعة على بعد أقل من مائة كيلو متر من قلب القاهرة، إلى القرار الجمهوري رقم (123) لسنة 1978م ـوكانت ضمن البحيرة قبل ضمها لتكون متنفساً صحراوياً لمحافظة المنوفية الحبيسة، بالقرار الجمهوري رقم (333) لسنة 1991م، وتبلغ مساحتها 500 كيلو متر مربع، أي ما يعادل ثلثي مساحة دولة مثل البحرين.
سعدت جداً حين زرت المدينة ضيفاً، وليس عابراً هذه المرة، بدعوة كريمة من أستاذنا الدكتور رضا حجازي، رئيس جامعة الريادة التي آثرت “السادات” على أكتوبر والتجمع والشروق، تلك المدن المغرية لمقار الجامعات، وبنت الجامعة صرحاً علمياً متميزاً لخدمة المدينة الفتية، وظهيرها من مدن وقرى البحيرة والمنوفية ووادي النطرون، بمجموعة من الكليات الحديثة في مناهجها وأساليبها وغاياتها، تقدم لأبناء المدينة التعليم الهندسي الصناعي المرتبط بالمنطقة الصناعية في السادات، لتكون الدراسة مشتبكة مع الواقع تسهم في الحلول والتطوير والابتكار.
أنشأت الجامعة مستشفى جامعياً حديثاً يضم 300 سرير، تفتقر الكتلة السكانية بالمنطقة لمثله، ليخدم أبناء السادات ومدن وقرى البحيرة المجاورة، فضلاً عن امتدادات المنوفية للمدينة ووادي النطرون، وليكون المستشفى هو البيئة العملية لطلاب كليات الطب والصيدلة والعلاج الطبيعي، وتتميز الجامعة بالربط والتكامل بين كلياتها، بحيث تعمل متصلة لا كالجزر المنعزلة، لتأصيل فكرة العمل بروح الفريق لابتكار الحلول وتقديم العلاج الناجع للمشكلات البيئية والطبية والصناعية، فما أحبط مخرجات جامعاتنا بخاصة الحكومية إلا انعزاليتها عن بعضها البعض، وانعزال كليات الجامعة الواحدة عن بعضها البعض، فنجد تكراراً بلا جدوى وعملاً ناقصاً لافتقاده لتكامل الخبرات والتخصصات، فتحية لمثل تلك الجامعة التي أرادت أن تقدم نموذجاً لتعليم متطور متواكب متكامل بين التخصصات، متفاعل مع بيئته، ليشعر الناس بما ينفعهم ويخدمهم في شتى المجالات.