مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: عندما قابلتُ “سويف”!!

طالعتْ عيني مجموعةً قصصيةً كانت تقرؤها زوجتي للكاتبة والروائية والأديبة “أهداف سويف” (23 مارس 1950م) بعنوان (زينة الحياة)، ولما كانت زينةُ الحياةِ الأدب _ وبغض النظر عن محتوى المجموعة _ فقد تذكرتُ على الفور أباها أستاذ علم النفس الكبير الدكتور “مصطفى سويف” الذي أسعدني الحظ بمقابلته مرةً يتيمة في إحدى الندوات بكلية الآداب جامعة القاهرة في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، فقد امتدَّ به العمر حتى شارف (92 عامًا) _ رحمه الله _ (17 يوليو 1924م _ 27 يونيو 2016م)، وكنتُ قد قرأتُ له قبلها كتابه (العبقرية في الفن) وكان كتابًا صغيرَ القطع ذا غِلافٍ أحمر، وجدتُه في مكتبة والدي _ رحمه الله _ من إصدارات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، وكذلك كتاب (مقدمة في علم النفس الاجتماعي)، وقد بهرني أسلوبُه، فهو يكتب بلغةٍ أدبيةٍ جذابة، جعلتني أقول: إنه يصلح أن يكون أستاذًا بقسم اللغة العربية، ظانًّا أن جمالَ اللغةِ وروعتَها مقصورٌ على أبناء هذا القسم، وهو الظنُّ الخاطئ بطبيعة الحال!

اقتربتُ من الدكتور/ “سويف”، مُعرفًا نفسي، وقائلًا له: إن أسلوبه جذبني، وإنني وددتُ إنْ كان أستاذًا بقسم اللغة العربية، ومع حديثنا ازددتُ انجذابًا لأدبه ولُطفِهِ بعد أسلوبه، ما هذا التواضع؟! وما هذا الخلق الرفيع في الحديث إلى الصغير ومعاملته؟! غيرَ أنه مع مرور السنين تكتشف أن هذا هو ديدن العالِم الحقيقي، لا يَزيده العلم إلا تواضعًا وحُسنَ خلق.

وحسنًا فعل الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، حين أدرج اسمَ عالِم النفس الرائد دكتور/ “مصطفى سويف” في مشروع (عاش هنا)، حيث تم وضعُ لافتةٍ تحمل اسمَه وعنوانَه على باب منزله الذى يقع في شارع السيد البكرى بالزمالك.

والدكتور (سويف) هو مؤسسُ قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة، وأول رئيس له بين عامي (1974م و 1984م)، وشغل منصبَ رئيس الجمعية المصرية للدراسات النفسية عامي (1970م و 1971م)، وهو مؤسس أكاديمية الفنون المصرية، وأول رئيس لها في الفترة من عام (1968م) حتى عام (1971م)، حين كان “ثروت عكاشة” (18 فبراير 1921م _ 27 فبراير 2012م) وزيرًا للثقافة.

“مصطفى سويف” واحدٌ ممن درسوا عِلْمَ النفس عن قناعة، مخالفًا رغبةَ أسرتِه في الالتحاق بكليةٍ عِلمية، وهو يقول: (إن الفلسفة وعلم النفس هما مفتاح المعرفة بالنسبة لي) وإن الفلسفة (علمتني أن أكون عقلًا فعَّالًا لا منفعلًا).

على أية حال، فإنه إذا كانت إسهاماتُ “مصطفى سويف” من خلال أبحاثِه ومؤلفاتِه تضعُه في الصف الأول، فإن أدبَه وخُلُقَهُ ولُطْفَهُ الذي يَعرفه كلُّ مَن تعاملَ معه يجعل مكانتَه في القلوب لا تتزعزع وإن كان اللقاءُ يتيمًا!!

ذلك ما يُمكنك أن تلمسَه أيضًا بنفسك حين تقابل عالِمًا حقيقيًّا، يخبرك بذلك كلُّ من قابلَ أو تعامل مع رئيسِ مجمع الخالدين الأسبق الدكتور “شوقي ضيف” (13 يناير 1910م _ 10 مارس 2005م)، وجراح القلب الأشهر البروفيسور “مجدي يعقوب” (16 نوڤمبر 1935م)، والدكتور “أحمد شقير” مدير مركز الكلى الأسبق بجامعة المنصورة، وكل من تعامل مع أمثال هؤلاء الأفاضل يشهدون بذلك ويُقِرون، وهذه هي طبيعة كل عالِمٍ حقيقي لا يَزيده العِلْمُ إلا لُطفًا وخُلُقًا حسنًا، ففتِّشْ في ذاكرتِك عن أمثالِ هؤلاء الأفاضل وذكِّرْ بهم.

زر الذهاب إلى الأعلى