مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : قوة خامنئي في مواجهة واشنطن

لم تقتصر أهمية الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي على كونه رئيسا للدولة، ولكنه كان محط أنظار واهتمام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي باعتباره كان أقرب شخصية محتملة ليشغل منصب المرشد الأعلى خليفة للمرشد الحالي علي خامنئي (٨٥ عاما)، بالإضافة إلى أن الرئيس الراحل في حادث سقوط طائرة هليكوبتر اكتسب خبرة دولية كبيرة بصفته رئيسا للدولة وألم بملفات إقليمية ودولية مهمة خاصة ما يتعلق بالملف النووي والعلاقات مع الولايات المتحدة. ومن هنا يمكن القول أن الغياب المفاجئ لرئيسي وضع إيران وأمريكا والعالم أمام أزمة كبيرة، بل أمان نقطة تحول مهمة، فمجرد غياب رئيس لإيران لا يهم المجتمع الدولي كثيرا، لأن شخصية الرئيس ليست مهمة للعالم وأمريكا بقدر شخصية المرشد الأعلى الرئيس الفعلي لإيران، فالرئيس المنتخب مجرد واجهة للعالم، ولكن مكمن الأهمية في وفاة رئيسي هو غياب واحد من أهم المرشحين لخلافة علي خامنئي، ما يترك الساحة خالية أمام مرشح آخر هو مجتبي ابن المرشد الأعلى أو رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف .

العالم والولايات المتحدة لا تكترث بشخصية الرئيس الإيراني كثيرا أو من سيحل محله، ولكن تقلق فقط لمعرفة من هو المرشد الأعلى المقبل بعد خامنئي. يدرك الجميع أن الكلمة الأولى والأخيرة في إيران إنما هي للمرشد الأعلى الذي يمسك دفة الحكم بيد من حديد، سياسة داخلية وخارجية وجيش وحدود وحرس ثوري، والأهم في كل ذلك ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.

ولذا لم تهتم واشنطن وغيره من الدول الأوروبية كثيرا بغياب رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد اللهيان ، فالعالم في غنى أن يفكر في خليفة الرئيس الإيراني أو وزير خارجيته، والأهم له التفكير في من سيخلف خامنئي بعد طول بقائه من منصبه منذ وفاة الخميني.

لا يهمنا هنا كثيرا عما وقع من خلافات شديدة داخل الولايات المتحدة بشأن تقدم الخارجية الأمريكية بواجب العزاء لإيران، وما تعرض له روبرت وود نائب مندوب أمريكا في الأمم المتحدة ، لوقوفه مع باقي أعضاء مجلس الأمن دقيقة صمت حدادا على وفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته، ووصف بعضهم الرئيس الإيراني الراحل بأنه بـ”سفاح طهران”.

ومن أسباب اهتمام واشنطن بمستقبل الحكم في إيران، ما ستحدده الانتخابات الأمريكية في آخر العام من مقررات العلاقات الأمريكية الإيرانية، فنتيجة تلك الانتخابات ستقرر كيفية التعامل مع طهران إما عبر سياسة الرئيس الديمقراطي جو بايدن الذي يأمل في إعادة إحياء الاتفاق النووي، وعمل مع إيران على الرغم من الخلافات معها لاحتواء النزاع في المنطقة وعدم توسعته إلى نزاع إقليمي، أو عبر الرئيس الجمهوري المحتمل دونالد ترامب، إذا فاز، وهو الذي ألغى الاتفاق النووي مع إيران وفرض عليها عقوبات شديدة.

وليس سرا وجود تعاون خفي بين واشنطن وطهران، وهو ما كشفته صحيفة “واشنطن بوست” من طلب إيران مساعدة أمريكية لتحديد موقع سقوط طائرة رئيسي وقد أرسلت فعليا خريطة بمكان سقوطها للمسئولين الإيرانيين. كما كشفت الصحيفة عن قناة سرية كانت قائمة بين الدولتين وقادت إلى محادثات في مسقط في عمان، نجحت في احتواء التصعيد الإقليمي، كما كان آخر اجتماع بين بريت ماكجورك، منسق الشرق الأوسط في البيت الأبيض، ونائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني، الذي خلف عبد اللهيان، وأسفر عن موافقة إيران على الحد من برنامجها النووي ووقف تخصيب اليورانيوم على نسبة ٦٠٪ والحد من مخزون الوقود المخصب إلى ذلك المستوى. كما وافقت إيران على الاستمرار في التعاون مع مراقبي وكالة الطاقة الذرية.

ورغم ما كان يدور داخل الأروقة الإيرانية بأن رئيسي كان من أبرز المرشحين لخلافة خامنئي، فثمة رأي آخر للخبراء وليس (الإدارة) داخل الولايات المتحدة، ومنهم من استبعد رئيسي ويرى من هو أقرب منه ترشحا، وهو مجتبي ابن خامنئي نفسه لسبب مهم جدا وهو قربه من

“الحرس الثوري”، وهنا يستلزم على المرشد الأعلى خامنئي ( الأب) أن يمهد الطريق لابنه مجتبي بترشيحه لمنصب الرئاسة أولا كي يتعرف عليه الإيرانيون ويكتسب منصبا شرعيا وخبرة في إدارة شئون البلاد داخليا وخارجيا.

وثمة مرشح آخر وهو محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان، ويتمتع بخبرات عسكرية وقانونية، ورجل دين متشدد.

أمام إيران والعالم وأمريكا نحو شهر تقريبا لمعرفة شخصية الرئيس المقبل، وهي فترة مهمة لإيران أيضا لأنها تواجه امتحانا صعبا على قدرتها على ترتيب بيتها الداخلي.

ولكن ستظل العلاقة بين إيران والولايات المتحدة واحدة من أبرز محاور السياسة الخارجية لطهران تحت قيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، نظرا لمواقفه من هذا الصراع، حيث يعد من أشد المعارضين للسياسات الأمريكية وينتقد بشدة ما يعتبره “سياسات عدوانية وتدخلية” للولايات المتحدة في المنطقة، ويرفض بشكل قاطع أي تنازلات أو تقارب مع واشنطن.

كما تدعم إيران وبدعم مباشر لتعليمات خامنئي وتوجيهاته، بعض دول والجماعات بالمنطقة في صراعها مع الولايات المتحدة، ومن أهمها:

١. سوريا: إذ تعتبر نظام بشار الأسد أحد أهم حلفائها الإقليميين، وقدمت له دعما عسكريا وأمنيا ضخما خلال الحرب الأهلية السورية.

٢. لبنان: تدعم إيران بقوة حزب الله اللبناني، باعتباره أهم وكلاء إيران في المنطقة ويشكل ذراعها العسكرية في لبنان.

٣. العراق: تدعم إيران المجموعات الشيعية المسلحة في إطار “الحشد الشعبي”، وتلعب دورا مؤثرا في السياسة العراقية.

٤. اليمن: تساند إيران جماعة الحوثيين المتمردة ضد الحكومة اليمنية والتحالف العربي بقيادة السعودية.

٥. فلسطين: إيران تدعم حماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين كجزء من استراتيجيتها لمواجهة النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة.

هذه الدول والجماعات تعمل معا كشبكة علاقات إقليمية مهمة لإيران في مواجهة الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها في المنطقة، ويعتبر دعم ها جزءا أساسيا من السياسة الخارجية الإيرانية تحت قيادة خامنئي.

ومعروف عن خامنئي أيضا مواقفه المشددة بشأن امتلاك إيران قدرات نووية ردعية للتصدي للتهديدات الأمريكية، على الرغم من الاتفاق النووي. كما أنه يلجأ أحيانا للتصعيد التصعيد الاستراتيجي بهدف زيادة التوتر مع الولايات المتحدة كوسيلة لتعزيز موقف إيران التفاوضي أو لتحقيق مكاسب سياسية داخلية.

ختاما..فالصراع مع الولايات المتحدة يمثل بشكل عام أحد أهم محددات السياسة الخارجية الإيرانية في ظل قيادة خامنئي، حيث يسعى إلى مواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة والدفاع عن المصالح الإيرانية.

زر الذهاب إلى الأعلى