رأفت السويركي يكتب: “هيثم المالح”… في “المسألة اللبنانية” الوجدان يفضحه؛ حتى وإن لم يكن “بنَّائِيَّاً ساعاتياً”!!
ليس لدي من شكوك بأن انفجار بؤرة الفوضى في الأرض السورية ستخرج كل لحظة ما يدعو للدهشة والريبة؛ بأن مستقبل هذا الوطن يمضي إلى ما يدعو للخوف العميق. ولعل أحد أعراض الوباء السياسوي المستحدث تكشف عنه تلك التصريحات الهابطة بأن: أرض “لبنان هي جزء من الأراضي السورية؛ ولا بدَّ لها من أن ترجع إلى سيادتنا وحكمنا”.!
المتلفظ بهذه العبارات هو رجل هَرِمٌ في العمر (93 سنة) اسمه “هيثم المالح”؛ ويُرَوَّج له بأنه “أحد أبرز النشطاء الحقوقيين السوريين” منذ نهاية القرن الماضي( العشرين). إذ قال ذلك في حوارية فاضحة لمنهجه المتوافق مع القناة المتأخونة “مكملين”؛ مُضيفاً: “قلت سابقاً لبنان يعني سوريا، ويجب أن تعود الأراضي إلى السوريين. ونحن فتحنا بيوتنا للبنانيين، ولكنهم تنكروا لهذا المعروف”. !
فهل ما ذكره من تلك العبارات يكشف المضمر المخفي في لعبة الفوضى الميليشياتية التي تمكنت من وطن قديم؛ وينذر بالمزيد من عمليات تنفيذ سيناريو تعميق حضور “سيناريو الشرق الأوسط الصهيوني الجديد”؟
إن “هرطقات/ ابتداعات” هيثم المالح السياسوية؛ لا ينبغي أن تعبر في الفضاء الذي أطلقها من دون إخضاعها للقراءة المتفحصة؛ والمتحررة من أية وجدانيات حاكمة لمشاعر الكثيرين من أهل الموضوع والمتابعين لتلك الشؤون؛ لأنها تتجاوز المُستقرَّ كله، والذي صار واقعاً ثابتاً يحظى بالتقعيد القانوني الدولي.
فـ “سوريا” وطن له حدوده المرسومة والمحددة؛ و”لبنان” وطن مجاور حدوده مرسومة ومحددة؛ وقد اعترف هيثم المالح من دون أن يدري بوجود مُسمَّى لبنان واقعياً؛ حتى وإن تشكلت الخرائط كلها وفق الاتفاقية الملعونة باسم “سايكس بيكو”. أم هل اللعبة الجديدة هي تجهيز المساحات للتصارع والتصادم والتقاتل؛ لتنفيذ المشروع الصهيوماسوني في تجلياته المعاصرة؟
وقد يتوهم ذلك الرجل الهَرِم أنه جاء بما لم يأتِ به الأوائل؛ في ضوء ظاهرة سياسوية مستحدثة، بدأت تشكلاتُها يُسفَر عنها؛ حين شَرَعَ الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” في نشر خريطة جديدة؛ قام فيها بضم “كندا” إلى أراضي الولايات المتحدة الأميركية لتكون (الولاية51). غير أن آليات الإمبراطورية الأميركية وارتكانها للعوامل الاقتصادوية والعسكريتارية تختلف عن أليات تفكير الميليشيات وقدراتها. فـ “ترامب” أنموذج مُغاير لـ “هيثم المالح”.
إن القراءة التفكيكية لهذيان هيثم المالح تجاه الدولة اللبنانية؛ تثير العديد من التساؤلات الواجب الالتفات إليها؛ إذ أنها تمثل اعتداءاً فجَّاً على سيادة دولة وطنية مجاورة؛ وتحاول فتح جبهة جديدة متوقعة لمزيد من الصراعات؛ وتسعى لإثارة المزيد أيضاً من الفتن الفاسدة؛ بصرف انتباه السوريين المنتكبين بمستقبل مخيف، إلى موضوعة مُستجدة في لُعبة الإلهاء الجاري تعميقها في العقل الشعبوي السوري؛ وهو يعيش حالة الانتشاء بسقوط النظام الأسدي.
قراءة ما هَرِفَ به ذلك الهَرِم، تدعو لمزيد من التساؤلات الجوهرية حول محمولاتها المُريبة في توقيتها ومنها:
** هل كان هيثم المالح يجرؤ على التَّمَعُّر بمثل هذا القول لو لم تكن “الدولة اللبنانية” في حالة رخاوة وليونة منذ عقود؛ حيث تنازعتها الصراعات الفرقية سابقاً؟
** هل يظن هيثم المالح أن أي اجتراء من الميليشيات الحاكمة للدولة السورية الراهنة تجاه الدولة اللبنانية؛ يمكن أن يمر بسهولة في وجود “الجيش الوطني اللبناني”؛ مهما كانت معايير تقديره بالمقاييس العسكريتارية؟
** هل يتوقع هيثم المالح أن تمضي خطوات تنفيذ هذيانه ذلك حول ضم لبنان إلى سوريا بيسر؛ في وجود قوة عسكريتارية ذات نهج ميليشياوي عميق تمثل “حزب الله”؛ والذي حاول مساندة الدولة السورية في جهود مواجهة إنهاكها، وكذلك بسبب التضامن مع ما سُمي “طوفان القدس” لجماعة “حاء/حماس”. من المؤكد أن التجربة التي يمهد لها إذا حدثت ستكون مؤلمة!
** هل يتغافل هيثم المالح عن إمكانات الدعم الإيراني الشرس للدفاع عما يمكن أن يُعد فريقاً له في الدولة اللبنانية؟
** هل يتوهم هيثم المالح أن أرض الدولة اللبنانية يمكن أن تمثل مطمحاً لتنفيذ المشروع الميليشياوي السوري؛ في إطار سيناريو إلحاقها لتشكيل “دويلة سنية” تجمع هذه النوعية المتواجدة في سوريا ولبنان معاً؛ ولتكون مساحتها كبيرة تلبية لطموحات الميليشات العقدية للجولاني القاعداني الميليشياني؟ ومع تزايد توتر العلاقات بين البلدين مؤخراً، اندلعت الاشتباكات على الحدود المشتركة بين الجيش اللبناني وبعض مُسلحي الميليشيات السوري بعد استهدافهم وحدة عسكرية حين إغلاقها معبر غير شرعي في “منطقة معربون”.
** من المريب أن يقوم الهَرِمُ هيثم المالح بتصدير “الموضوعة اللبنانية” في هذا التوقيت الحرج بطريقة مباغتة من دون أي مبرر. فهل هو حريص حقاً على الأرض السورية لهذه الدرجة؟ ولماذا إذن لا يدعو الكيان الصهيوني المحتل لمغادرة الأراضي السورية التي احتلها مؤخراً انتهازاً لسقوط النظام الأسدي؟
ولماذا لا يطالب الدولة العثمانللية الأردوغانية المتأخونة؛ بالخروج من كل الأرض السورية التي اجتاحتها مع سقوط النظام نفسه؟ فهل هيثم المالح موجوع القلب إلى هذه الدرجة من لبنان، ومستريح القلب ومستكين للأتراك والصهاينة؛ لربما لأنهم ساعدوا الميليشيات في إسقاط النظام السوري؟
في حقيقة الأمر أن تصريح ذلك الهَرِم هيثم المالح يستدعي القراءة الفاحصة لتمييز مربعه الفكراني؛ فمهما قيل عن سيرته الذاتية، والصورة الذهنية المتشكلة حوله والتي جعلت منه عَلَمَاً؛ فإن تحليل خطابه يضع اليد على المضمر المختبئ في التلافيف؛ والتي توحي بطبيعة المربع السياسوي الذي يتمظهر في فعالياته وأنشطته وأدواره طيلة تاريخه.
إذ لا ينبغي تناسي أن هيثم المالح خلال أنشطته الثقافوية بالجامعة، وفرت له ميوله الإسلاموية إمكانات التعرف إلى النماذج ذات الوظائف المتأخونة من نوعية “علي الطنطاوي” و”عصام العطار” و”مصطفى أحمد الزرقا” و”محمد بن كمال الخطيب” و”أبو الأعلى المودودي” العالم الباكستاني و”أبو الحسن الندوي” و”محمد أبو زهرة”و”محمد الغزالي” قبل انشقاقه عن “الجماعة الساعاتية”.
لذلك فهو لا يخرج عن سياق “الخطاب المتأخون” في صورته السورية؛ حتى وإن لم يكن من أعضاء تلك الجماعة؛ ولربما كانت هناك علاقات تكشفها بعض ممارساته وكلماته؛ حين انتقد يوماً الحكومة السورية القديمة مُطالباً إياها “بإلغاء قانون الطوارئ وقمع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا” (موقع ويكيبيديا مصدراً).
ولا يمكن التغافل كذلك عن علاقة “هيثم المالح” بالشيخ المتأخون السوري “علي الطنطاوي”؛ والذي ورد اسمه صريحاً في كتاب الشيخ معن العجلي “الفكر الصحيح في الكلام الصريح”؛ بأن الطنطاوي “أحد الإخوان الذين وصلوا ـ حسب رواية الكاتب العراقي الشهير رشيد الخيون في مقالة له ـ للعمل على محاولة تخفيف الحكم على الناشط الإيراني نوَّاب صفوي (قائد تنظيم فدائيان إسلام)، أو تهريبه من السجن الإيراني؛ وذلك بترتيب “محمد محمود الصواف” مراقب “جماعة الإخوان المسلمين” العراقيين؛ والمعروف أن علاقة الجماعة البنَّائية كانت ولا تزال عميقة مع الأنظمة الإيرانية؛ لتلبسهما صور الإسلام السياسوي (السني والشيعي).
ووفق المقولة العربية الشهيرة “البعرة تدل على البعير” يجب إدراك المغزى السياسوي لما فعله هيثم المالح مؤخراً بمحاولته الصعود واعتلاء “منبر الجامع الأموي”؛ من دون تصريح أو تنسيق مسبق مع الجهات المسؤولة عن الجامع. ما اضطر “خادم الجامع” للصعود وإنزاله من المنبر تلبية للصياح المضاد من المتواجدين. وكان دافع المنع إغلاق الباب أمام الفوضى التي يمكن أن تنشب حين “السماح لأي شخص بالصعود للمنبر والحديث من فوقه من دون ضوابط قد تسبب الانتقاص من قدسية المكان”.
إن ما حاول افتعاله “هيثم المالح” في واقعة الصعود للمنبر الأموي، يُعيد للذكرى النمط نفسه الذي سلكه مُفتي التكفير المتأخون “يوسف القرضاوي”؛ حين صعد بترتيب قيادة “الجماعة الساعاتية” وقت تمكنت من حكم مصر وذلك للخطابه من فوق منبر “الجامع الأزهر” للمرة الأولى في تاريخه يوم 28 ديسمبر2012م؛ وخلال خطبته تلك دعا إلى “الجهاد ضد الحكومة السورية”؛ قائلاً بافتخار وانتشاءٍ كذوبٍ:” الآن أعود إلى الجامع الأزهر لأخطب فيه… وبشار يقتل شعبه بكل أنواع الأسلحة”.
لذلك دعا القرضاوي: “جميع المسلمين في كل البلاد أن يذهبوا إلى سوريا إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلا؛ ليدافعوا عن إخوانهم هناك؛ ومن يستطيع القتال فليذهب ليقاتل. وأقسم أنه لو كان يستطيع ذلك لفعل دون تردد.”
وينبغي تذكر أن هيثم المالح نفسه تم تكليفه في 31 يونيو/ حزيران العام 2012 م بتشكيل ما يُسمى “مجلس الأمناء الثوري الوطني السوري”، وكذلك بتكليف الحكومة الانتقالية ومقرها القاهرة”. وباعتباره مُنَظِّرَاً في “المسألة السورية” من الضرورة تأمل ما يُبشر به من سيناريو بتصريحه المحدد: “سنسعى لاختيار رئيس مؤقت لسوريا على غرار تجربة تونس التي اختارت المنصف المرزوقي رئيساً للبلاد ريثما تتم المرحلة الانتقالية وكان اختياراً ناجحاً”!!
وإذا كان الأنموذج الخاص بتونس مُغاير للحالة السورية ارتباطاً بفقه الحالة؛ فالمجتمع التونسي صغير ومحدود وشبه متجانس عرقياً؛ وقد قادت تجربته بالوعي إلى إزاحة “المنصف المرزوقي” المتحالف مع “حركة النهضة” المتأخونة والتي جعلت منه قناعاً لها؛ ليصل بعد ذلك البروفيسور “قيس سعيد” للرئاسة التونسية بعد إزاحة المرزوقي وحلفائه.
والسؤال المهم الواجب توجيهه إلى “الجولاني القاعداني والداعشاني” باعتباره يمثل راهناً رأس المنظومة المتمكنة؛ ويعكف على تنفيذ أجندة “صياغة الدولة السورية الجديدة”: هل تعكس كل تصريحات هيثم المالح ما يُلبي المستقبليات السورية؛ فيصيبكم الخَرَس؟ أم كان الواجب المبادرة بالتنصل منها؛ احتراماً للقواعد الراسخة في العلاقات الدولية وفقه الحفاظ على الدول؟!
لننتظر ما تأتي به الأيام والتصريحات والفعاليات الكاشفة للمستقبل السوري؛ بهيمنة الفكر الميليشياتي غير المحكوم بقواعد أنموذج الدولة المتعارف عليها، ومنها تلك التصريحات المريبة لمن يُسمى “هيثم المالح”… حيث الوجدان المتأخون يفضحه؛ حتى وإن لم يكن “بنائياً ساعاتياً”؛ ويكفي أن الفنانة اللبنانية “أليسا” قامت بالرد البسيط الساخر والمفحم عليه: “مين الأخ”؟!