مختار محمود يكتب: وكأنَّها نزلت في آل “ضلال”!

المُتأمل في آيات سُورة “التوبة” تحديدًا، وهي من السِّوَر المدنية عدا آيتين، يكاد يعتقد أنها نزلت في مؤسسة “ضلال للفكر العربي” ومَن يدورون في أفلاكها ويحذوَن حذو القائمين على أمرها، ويتبنَّون أطروحاتِهم؛ فما أكثرَ آياتِها التي تَحكيهم، وتكشف عوارَهم، وتفضح تدليسَهم، كما فعلت من قبل مع مسجد “ضرار”، ومَن أنشأوه؛ بهدف ضرب الدعوة الإسلامية في مهدها، في دليل متجدد على عظمة القرآن الكريم وخلوده وديموميته. لا يخفى على أي عاقل مُنصف رشيد، أيًا كانت هويته، أن آل “ضلال” –وهذا الاسم رمزيٌّ فقط وليس هو الاسم الحقيقي للكيان- لا يبتغون إصلاحًا أو صلاحًا؛ فكلٌّ منهم يمتلك -من قبل تدشين كيانهم المُستجد- سِجلاً عدائيًا حافلاً ضد الدين، وعُرف عنهم جميعًا ذلك واشتُهروا به؛ فهذه بضاعتهم الرائجة في عصور الفتن وأزمنة الضلال؛ “لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ”. ناصب آلُ “ضلال”، ولكن فُرادى، في مواطن عديدة، وفي فترات سابقة، العداء الصريح للإسلام، وخاض كلٌّ منهم فيه مُحصَّنًا بجهل شديد ودعم غير محدود وتمويل سخي؛ وكأنهم جميعًا “لَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ”. واللافتُ في الأمر أنك إنْ كشفتَ لهم عن عدم إلمامهم بما يتحدثون فيه وعنه؛ لأنهم لم يعدوا للأمر عُدَّته ابتداءً، يأتي ردُّ فعلهم مواكبًا للآية الكريمة: “وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ”. ورغم فساد الطرح وضلاله وتضليله وتلفيقه في كثير من القضايا والإشكاليات إلا أن آل “ضلال” ومُناصريهم لا يتناهوَن أبدًا عن منكر فعلوه ويفعلونه، بل يُشجع بعضُهم بعضًا، تماهيًا مع قوله تعالى: “الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ”. في كثير من ندواتهم ومُنتدياتهم ومُداخلاتهم المُتلفزة وكتاباتهم التدليسية..يظل آل “ضلال” مُصرِّين على مواقفهم المدفوعة، ولا يرغبون في مغادرتها ولا مراجعتها، يتجرؤون على دين الله، ولا يخشونه؛ “فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ”، وكأنهم حقَّ أيضًا عليهم قولُه تعالى: “رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ”.
ولا شك أن الإعلان عن المؤسسة الوليدة كشف عن وجوه عديدة، كانت مستترة بين ظهرانينا، كنا نظنهم من الأخيار؛ حيث أظهر أصحابُها تعاطفًا جَمَّا مع أعضائها وشطحاتهم بأثر رجعي، دون تدقيق أو تنقيح، أيَّا كان تطرفُها وخروجُها عن النَّسق، وكأنَّ قولَ الله تعالى: “وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ”، قد نزل فيهم أيضًا.
ومن البُشريات العظيمات أن القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أنبأنا عن مصائر مثل هذه الكيانات الهشَّة، مهما توافرت لها من سبل الدعم المادي والمعنوي، والتي لا تختلف كثيرًا عن ملابسات إنشاء مسجد “ضِرار” عبر قوله تعالى: “َأفمنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”، مشددًا في موضع تالٍ على أنه “لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”. وإنْ كان القرآن الكريم حكم على مسجد “ضرار” في زمن الرسول الكريم بقول الله تعالى: “وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ”، فما بالكم إذن بمؤسسة “ضلال للدجل العربي”؟