راندا الهادي تكتب: حتى الحزن كان صغيرًا!!
أتعجَّبُ أحيانًا من البعض عندما يتساءلُ دومًا، لماذا كنا أفضلَ في الصغر، أكثرَ فرحًا ومرحًا، كانت أقلُّ وأبسطُ الأمور تُبهرنا وتُشعرنا بالسعادة؟!
سعادةٌ لها طعمٌ خاص، نفتقدُه _ كاملًا _ اليوم حتى في وجودِ مَن كُنَّا برفقتهم وقتها!! وأتعجبُ أكثرَ من عدم اقتناعي بالإجابة الأزلية على هذا السؤال من البعض: لأننا كنا بلا مسؤولية!!
وفي ذاتِ صباح عندما تَستردُّ لِلحظاتٍ _ لا تعرفُ مُنتهاها _ بعضًا من وعيِك كإنسانٍ له عقل، خُلِقَ ليُفكر، لا لاستخدامِه في حَبْكِ المكائد وإحصاءِ أرزاق العباد، أو تجنب استخدامِه حتى يَمُرَّ اليومُ وما به من أحداث بلا تفكير، في مثل هذا الصباح أدركتُ الإجابةَ المُثلى، إجابةَ الإجابات على هذا السؤال الأزلي (لماذا كنا أفضلَ في الصغر )؟!
بالطبع تريدون معرفتها، وإلا لعنتم هذه اللحظات التي اقتطعتموها من يومكم لقراءة ما أَهذي به كلَّ أسبوع، سأخبركم وإلا لماذا كل هذه الطنطنة؟! الإجابة يا سادة أن حزننا كان صغيرًا، بل كنا بلا حزن!!
تعالَ معي نتذكر ما كان يُحزننا في الطفولة: وقوعُ الآيس كريم من يدنا، عدمُ مشاهدةِ الكرتون الذي نحب، انكسارُ اللعبة التي نملكها، حتى عندما كنا نفقد أحدَ الأحباب، وقتها كانت تكفي عبارة:(إنه عند ربنا في السماء)، لتُهَدِّئَ مِن روعنا وتوقِفُ سيلَ الدموع على خدِّنا.
كذلك كان عفوُنا عن بعضنا قريبًا سريعًا، بِـ (لَفَّة إصبع) نتخاصم، وبِـ (قُبْلَةِ السماح) تختفي كل المشاكل، لا ضغينة، لا بغضاء، جميعُنا إخوة من آدم وحواء، لذلك يبدو أننا لم نكن صغارًا فحسب، بل كان كلُّ أمرٍ مُخيفٍ لنا الآن صغيرًا في أعيُننا كسنينِ عُمرِنا (ما عدا طبعًا أُمنا الغولة وأبو رجل مسلوخة)!!
وفي مِثلِ ذاتِ الصباح _ الذي رافقَ هذا العملَ غيرَ الاعتيادي لعقلي _، سألتُ نفسي: وماذا سيحدث لو عُدنا صغارًا؟!! تنبَّهَ عقلي إلى جُملتي، وقال خاتمًا الحوار: ستُودَعِين يا رفيقتي سراياتِ المجانين، وعادَ إلى غفوتِه حتى صحوة.