ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي، أقيمت الأمسية الشعرية الرابعة في قصر الثقافة بالشارقة، مساء أمس الجمعة 12 يناير 2024، وشارك فيها سبعة شعراء هم: د. محمد النجار من تونس، شريهان الطيب من السودان، سيد أحمد العلوي من البحرين، إبراهيم توري من السنغال، زيد صالح الجبوري من العراق، د. محمود حسن من مصر، و هارون عمري من الجزائر، بحضور عبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة بالشارقة، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية، والشاعر محمد البريكى مدير بيت الشعر، وحشد من الشعراء والمثقفين والاعلاميين والنقاد والمهتمين، حيث تناولت قصائد الشعراء هموم الذات والوطن وقضايا الأمة، متخذين من اللغة وسيلة للتعبير والتوثيق، ومن الصورة والمجاز باباً يعرجونمنه إلى سماوات الدهشة والجمال، وقدم الأمسية الشاعر والإعلامي أحمد الصويري معرفا بأهمية المهرجان ومكانته ومثمنا مبادرات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، واهتمامه بالشأن الثقافي ودعمه.
شارك فى الأمسية مجموعة من الشعراء، واستهل القراءات الشاعر د. محمد النجار من “تونس”، وألقى غير قصيدة رسم لنا صور بانورامية لرؤى الشاعر تجاه الحياة والأوهام التي تسافر إلى فضاءات الروح في صحرائها.
من قصيدته نختار:
“تُرى أيُّ رؤيـــا الآن تجْلو بصيرتي؟
أرى مُهْرَةَ الأوهـــــــام تَأْخُذها البيــــدُ
أَكنْتُ إذنْ أهفو إلى المــــاء؟ أم تُرى
تجَلّيْتُ إذ فــــــاضتْ بقلبــي المواعيدُ؟
أُحَدِّقُ فـــــــي لــيْلٍ وقدْ أَحْـدَقـتْ بـه
طيـــــوفٌ تَدلَّتْ حوْلَه وعنـــــاقيــــــدُ
أَمُدُّ يدي كيْمــــــا ألامسَ ضوْءهــــا
فَتَطْرُقُ سَمْعـــي هَمْهَمــــاتٌ وتَنْهيـــدُ
ثم قرأت الشاعرة شريهان الطيب، مجموعة القصائد، وهي شاعرة طبيبة جعلت من لغتها علاجاً للروح، ودواءً لألألم والهم والوجع، وطافت بها في مدن السودان التي تعاني انكساراتها، لترسم صورة جميلة تخفف صورة الحرب، و “على إيقاعِ المَاء” قالت:
أنصِتْ عميقاً لصوتِ الغاب،واقتِفهِ
إنَّ الفَرَاشَ على وردِ الهوى صَلَّى
واهبطْ على شفةِ المصباحِ، كن لغةً
تراوغُ الضوءَ، كي لا تَجْرَحَ الظِلَّا
وجفّفِ الوقتَ ولتعقدْ مهادنةً
مع ابنِ آدمَ كي لا يبدأَ القَتْلا
مع الصباحِ _ الذي قد كنتَ صورَتَه_
بأنْ يطولَ وألّا يوقظَ اللَّيْلَا
لأنكَ القفلُ والمفتاحُ، يامدناً
مِنَ الأحاجِيْ ولَكنْ لا أرى حَلَّا”
الشاعر سيد أحمد العلوي من “البحرين” قرأ مجموعة من القصائد توهجت بلغتها وصورها وأخيلها، وغاص عميقاً في قضايا الإنسان وهمومه وأوجاعه، مقتنصاً من مقولات المؤثرين بداية ومدخلا، وقرأ لوجع الأمة وقضيتها، ولذاته العاشقة، ومن قصيدة له :
أرَقْتَ ضَوءَكَ والأقمَارُ ناعسةُ
كأنَّها فـــوقَ شـالِ الصُّبحِ نـابِتةُ
وأنتَ تخْلعُ جِلدَ الوَهْمِ عَن جَسَدٍ
سَـترتدِي لـوْنَكَ الزِّنْجيِّ عَـارِيـةُ
مُذْ جِئتَ تخبزُ لِلأطفَالِ لعْبـَـتَهم
قدْ لوَّحتْ في فَمِ التنورِ أرْغِـفَــةُ
تلــــــمُّ قمْحاً عُيونُ الليْلِ تذرِفُهُ
في شارِعٍ كُـلُّ شيْءٍ فيهِ أرْصِفةُ
الليْلُ يشرَبُ دمْعَ المُتعبِـين كمَا
تشرَّبتْ (دمْــعةً صُــــوفيةً) شفَـةُ
ثم قرأ الشاعر إبراهيم توري من “السنغال” قصائد اتسمت بنفس صوفي، وموسيقا عالية من اللغة والخيال، وقرأ “سيرة ناقصة للخيام” عطرها بحس مرهف وفكر متأمل:
كَمَا مِنْ مُرُوجِ اللَّهْوِ أَنْبَتَ ذَاتَهُ
سَيُهْدِي إِلَى مَاءِ الْحُمَيَّا حَيَاتَهُ
سَيُطْرَدُ مِنْ دَيْرِ “السَّمَاءِ” لِأَنَّهُ
مَتَى ما دَعَتْهُ “الْأَرْضُ” خَانَ صَلَاتَهُ
فَتًى زَنْبَقِيُّ الْقَلْبِ عَطَّرَ رُوحَهُ
وَيَمَّمَ فِي لَيْلِ الذُّنُوبِ سُقَاتَهَ
وَيَرْقُبُ مِيعَادَ الْإِلَهِ.. مُسَائِلًا:
أَحقَّا يُجَازِي الرَّبُّ شَرًّا عُصَاتَهُ؟
سَقِيمًا بِطَقْسِ “الدِّينِ” -لَوْلَا كُؤُوسُهُ-
مَتَى جَاءَ مَكْسُورًا.. تَلُمُّ شَتَاتَهُ
وبلغة أنيقة وحضور آسر، قرأ الشاعر العراقي زيد صالح الجبوري قصائد استرجعها من الذاكرة التي تعاني من قلق النسيان، لكنه امتدحه ليترك للقارئ فكرة التأمل من مراوغة عتبة النص، ليؤكد أن البدايات تولد من النهايات، ومن قصيدة “في مديح النسيان” يقول:
أشــرعــتُ للصـحــراء سـيـرتـيَ التي
لـلــرمــــل أرويـهــا كـتـابــاً مــفــردا
ما عــــادت الأسـمـاء تـغـري وجهتي
ما عدت أقترفُ الرحيل إلى السـدى
للقرية الأولى مشيتُ مسافراً
كانت خطاي النهر تبتكر الندى
لا لـونَ لـي غـيـر البـيـاض يعـيدني
لـلـبـدء حـيـث الليل لم يكُ أسـودا
حـيـث الـحـواس البـكر أشهى فكرة
وهواجسي مــدنٌ تـزيـد تــمــدُّدا
الشاعر الدكتور محمود حسن من مصر أهدى الشارقة في مستهل قراءته بوحاً شفيفاً وحساً رهيفا، ثمن عبره دورها ودور حاكمها في خدمة الأدب والفنون الإنسانية واللغة والشعر، ثم قرأ بروح صوفية مجموعة من القصائد منها قصيدة “وشم” يقول:
يقول الفتى المنسيُّ تحتَ سمائهِ
تَعِبْتُ…. وَلَم يعبَأْ طبيبٌ بدائِهِ
وكم زرع المعنى وُرُودا بهِيَّةً
إذا ظَمِئَتْ تُسقَى بماءِ بكائهِ
فلولا صَبِيَّاتٌ يَعِشْنَ بِجِلْدِهِ
قَضَى لمْ يُطِقْ طعمَ المرارِ بمائِهِ
ينادي على أبْعاضِهِ نصفَ عمرهِ
وينجو إلي المنفى بنصفِ بكل حيائهِ
يحاولُ كسرَ الرُّوحِ حزنٌ مُسلَّطٌ
فيكسرُ سيفَ الحزنِ طيفُ إبائِهِ
وما تنثني أعصابه ذاتَ هزَّةٍ
صبورٌ ولمْ يَخْدُشْ بياضَ ردائِهِ
اختتم القراءات الشاعر الجزائري الشاب هارون عمري، الذي أجاد استخدام لغته، وابتكار صوره، وحضوره المسرحي على منصة المهرجان، وقرأ مجموعة من النصوص منها “رماد البحر” حيث يقول:
أحرّك معنى الصّمتْ ، فنجانُ صحوةِ
وأضربّ عرّافا ينامُ بجبّتي
عنيفٌ كشك الأرضّ تقرأ خطو من
يتيهون في ليلٍ لتأويل نجمةِ
أفوّض صحراءً لتطويق صرخةٍ
تفسرني غيمًا وأضغاث فكرةِ
وأمشي خطاي الريّح ، ظلّي مؤجلٌّ
لهم ظلّ هذي الشمس ، لي ظلّ عتمتي
وصاحبتُ نفسي منذ أن كنتُ طينةً
غريبا بلون الماءِ ، روحي : هويّتي
في ختام الأمسية تم توقيع ديوان الشاعر المكرم علي الشعالي من دولة الإمارات العربية المتحدة.