محمود سامح همام يكتب:هل ستفقد باريس حليفاً استراتيجياً آخر في أفريقيا؟
لم يهدأ مسلسل الإنقلابات العسكرية في غرب القارة السمراء لنشوب انقلاب الجابون، تحديداً مع إعلان عسكريين من قلب القصر الرئاسي عبر التلفزيون الوطني الإنقلاب العسكري الأربعاء الماضي، معلنين إلغاء النظام القائم وإلغاء الانتخابات وحل مؤسسات الدولة، وأيضا أنتقد البيان العسكري إدارة الرئيس بونغو للبلاد وما أطلقو عليها الأساليب التي قد تدفع الجابون نحو الفوضى وأتهموه ضمنياً بتزوير الانتخابات.
ومنذ ساعات قليلة عين قادة الجيش في الجابون قائد الحرس الجمهوري الجنرال بريس اوليغا نغويما رئيساً للمرحلة الانتقالية في البلاد بعد الإنقلاب الذي أطاح بالرئيس على بونغو.وخارج الجابون الجميع يترقب معرفة ملامح هذا الإنقلاب والسياسة المتبعة القادمة للحكومة الانتقالية، هذا يجعلنا نطرح سؤالاً حول هل سوف يهدد الإنقلاب العسكري في الجابون النفوذ الفرنسي على غرار عدوى الإنقلابات العسكرية في دول الجوار؟بدايةً سوف نتناول أسباب الإنقلاب الذي قام به العسكريون في الجابون، فبالرغم من أن المؤشرات الأقتصادية التي تجعل من دولة الجابون رابع منتج من النفط على مستوى دول إفريقيا جنوب الصحراء، والكثافة السكانية التي لا تتعدى ٢,٣ ملايين نسمة، إلا أن هذه الدولة تشهد اوضاعاً اجتماعية واقتصادية متردية، حيث أن أكثر من ثلثي سكان الجابون يعيشون تحت خط الفقر بالإضافة إلى قضية البطالة المتناثرة في ربوع الجابون .ولا نستطيع أن ننكر أن هذه المؤشرات الإقتصادية والإجتماعية الجامحة في البلاد نتج عنها خروج المدنين في الشوارع مؤيدين الانقلاب العسكري منذ ساعاته الأولى، يحيون الجنود المتواجدة فالميادين، ويهتفون بعبارات ضد تولية الرئيس علي بونغو الولاية الثالثة.استكمالاً، الإطاحة برئيس الجابون علي بونغو عقب إعلان فوزه بالولاية الثالثة لحكم البلاد ليس مجرد اطاحة برئيس الجابون فحسب، بل هي محاولة ايضاًً للإطاحة وإنهاء حكم التوريث لعائلة بونغو الذي ارسته فرنسا منذ ٥٥ عاماً، لطالما الجابون البلد الثرية بالنفط واليورانيوم بلد مهمة لفرنسا واستطاعت فرنسا جعل سلطة الجابون في قبضتها لضمان مصالحها طوال هذه الفترة ، حيث حولت فرنسا سياستها الاستعمارية منذ استقلال الجابون ١٩٦٠م من استعمار عسكري إلى استعمار اقتصادي من أجل استغلال النفط والمواد الخام الغنية في الجابون
” جمهورية النفط الإفريقية”.ومما لا شك أن فرنسا سوف تخسر اقتصاديا كثيراً جراء تداعيات هذا الإنقلاب، حيث تمتلك ١٣ مليار دولار حجم فروع الشركات الفرنسية العاملة بلبيرفيل و ٨١ شركة تعمل أيضاً في الجابون بالإضافة إلى عشرة الألاف فرنسي متواجدون هناك، لا ننسى شركة التعدين الفرنسية إراميت التي تملك وحدة كوميلوج لإنتاج المنجنيز في الجابون بصورة احتكارية قامت بتعليق كافة عملياتها في البلاد في أعقاب تطورات الإنقلاب العسكري في ليبرفيل التي أنخفض سهمها بنحو ٥٪ عقب هذا الإنقلاب.ختاماً لا نستطيع أن ننكر أن هذه التغيرات ترتبط بوجود صحوة شعبية تجاه الاستعمار الفرنسي بكافة أشكاله، والبيئة الإقتصادية والسياسية المجحفة في الجابون ترتبط بدائرة ومصلحة النفوذ الفرنسي وبالتالي إزداد الشعور بعدم وجود استقلال حقيقي عن المستعمر السابق.
كما نري أن الأجيال الشابة الجديدة في الجابون أجيال متعلمة وقادرة على قراءة الواقع الدولي ونقد الوجود الفرنسي في بلادها، وهذا ما نتوقعه من رئيس المرحلة الإنتقالية نغويما أن يعلن عن سياسة واضحة جديدة للجابون تجاه النفوذ الفرنسي والتخلص من احتكاره في البلاد، وبهذا التسلسل والتصاعد في أحداث إنقلاب الجابون فرنسا سوف تفقد حلفياً استراتيجياً آخر في أفريقيا.