طلعت عددا من المراجع عن أحمد لطفي السيد قبل أن أحاول الكتابة عنه، باعتباره أحد رواد التنوير والنهضة المصرية، وهالني ما وجدت في بعض الكتب من مدح كامل، ومراجع أخرى تذم في الرجل بشدة بسبب عدد من مواقفه السياسية.
وأقول إن المثقف بطبعه وتركيبته، ليس من الضرورة أن يكون دائما علي يسار السلطة، بل في كثير من الأحيان يكون هو جزء من السلطة وأحيانا صانع لقرار السلطة، وهذا ما استنتجته في أحمد لطفي السيد.
هو أستاذ كل الأجيال التي جاءت، عاصر أسماء لا يشق لها غبار في الثقافة والسياسة بدءا من الأفغاني ومحمد عبده وحتى ستينيات القرن العشرين، ومن قوة شخصيته وشدة باسه الثقافي، عرض عليه الضباط الأحرار رئاسة مصر عقب ثورة 23 يوليو ولكن الرجل رفض.
ولد في 14 يناير 1872 وتوفي في الخامس من مارس عام 1963، تاركا رصيدا هائلا من الكتابات والمواقف الثقافية والسياسية، التي كانت بعضها سببا كبيرا في انتقاده.
ولست هنا أحاول أن اكتب عن أحمد لطفي السيد السياسي، والذي فندت العديد من المراجع والدراسات مواقفه سواء من أحمد عرابي ومصطفى كامل وسعد زغلول وغيرهم، ولكن الرجل كان بحق أستاذ الجيل وأبو الليبرالية المصرية، وصفه عباس محمود العقاد بأنه أفلاطون الأدب العربي، وخرج من تحت يده العديد من أسماء الكبار في الصحافة والسياسة والثقافة في مصر.
كان أبرز إنجازاته الثقافية والعلمية حملة التبرعات التي قام بها على صفحات جريدته “الجريدة” لإنشاء الجامعة المصرية، كما شجع طلابه علي قراءة أرسطو وترجم العديد من كتب الفلسفة اليونانية.
كان أحمد لطفي السيد فيلسوفا ومفكرا عظيما على الرغم من مواقفه السياسية، فالرجل كان يري في اللورد كرومر أنه شخص استطاع أن يقيل مصر من عثراتها المالية وان له أياد بيضاء على السياسة المصرية، وهذا ما كتبه فكتابه “قصة حياتي” وغيرها من المواقف، وخاصة موقف حزبه “حزب الأمة” من مسألة الثورة برمتها، كذلك اعتبار أحمد لطفي السيد من الأعيان الذين لهم علاقات غير محسوسة مع الاحتلال، وصلات تجارية وثيقة، أدت إلى وجود فجوة بين الحزب الذي أسسه وبين الجماهير، وهكذا كانت الغلبة تتجه نحو مصطفى كامل وحزبه “الحزب الوطني”، ويقول د. رفعت السعيد ما معناه أن منتهى التشدد من مصطفى كامل ومنتهى التأييد من قبل أحمد لطفي السيد أدى إلى اختيار سعد زغلول كرمز وزعامة تتميز بالاعتدال.
وأعود فأكرر أن المثقف إذا اشتغل بالسياسة غلبته، وجعلته مكروها، وبالرغم من ان أحمد لطفي السيد له إسهامات ثقافية عظيمة إلا أن التاريخ لا ينسي.