حازم عبده يكتب: كونوا على قدرها

“عندما كان شكسبير في إنجلترا يكتب مسرحياته لم تكن أمريكا قد ولدت بعد، مع إن شكسبير يعدونه في تاريخ الأدب شاعراً من العصر الحديث، وعندما كان الشاعر الروماني “أوفيد” يكتب شعره لم تكن الدنيا قد عرفت شيئاً اسمه إنجلترا، وعندما كان الشاعر اليوناني هوميروس ينظم ملحمته “الإلياذة “كانت الأمة الرومانية كلها مازالت في جوف العدم، أما حين كان هوميروس ينظم ملحمته تلك فكانت مصر قد أمضت من تاريخها أربعين قرناً تنشىء أدباً وشعراً وحضارة ومجداً ”
لا أدري على وجه اليقين لماذا اختار الكاتب الكبير الأستاذ محمد سلماوي أن يضع على صفحته على الفيس بوك، يوم السبت الماضي، هذا الاقتباس من كتاب “قصة عقل” للمفكر الراحل الدكتور زكي نجيب محمود، ولم أشأ أن أتصل به لأسأله عن سر ذلك، فلعله أراد أن يذكرنا بماضينا العظيم أو بما ضيعنا أو بما فرطنا، أو أن يضربنا بحجر كي نستفق من غفلتنا، فهل ما صرنا إليه يمت لما ذكره زكي نجيب محمود، بصلة؟، هل يليق بمن كانوا أول سطر في التاريخ أن يخرجوا منه؟، أو لعله اختار ذلك ليذكرنا بأن الأمل مازال قائماً، بعد مشاركته في انطلاق الحوار الوطني، وهو يتابع عن قرب ما ألقي من تساؤلات حول واقع مصر ومستقبلها.
كتاب “قصة عقل” الذي صدرت طبعته الأولى عام 1983، لم يكن مجرد سياحة في الماضي وتفاخر بين الأمم، وإنما كان تفتيشاً وبحثاً عنالعقل الغائب، ومحاولة للبحث عن دافع للحاق بركب الحضارة وفضاء التقدم، وميدان الأمم الحية التي تكتب التاريخ وتنعم بالحاضر وتصنع المستقبل، فيقول زكي نجيب محمود في الكتاب:
لم تكن دعوتي إلى ثقافة الغرب صيحة مجنونة مفتونة بظواهر كاذبة بل هي دعوة دفعني إليها ما رأيتها من مكانة رفيعة للإنسان – كل إنسان، وأي إنسان- من حيث إنه إنسان وكفى فعندئذ قارنت- رغم أنفي- بين ما رأيته هناك وما كنت أعلمه عن قيمة الإنسان في ثقافتنا المصرية كيف تعلو وتهبط مع درجات السلطة والنفوذ والثراء ونوع العمل، فهل كان يمكن أن أرى ذلك الفارق الشاسع بين الثقافتين وما أنتجه ذلك الفارق من معايير يقاس بها الناس هنا وهناك دون أن أبحث عن السر لأدعو إلى الأخذ بكل ما من شأنه أن يكسب الإنسان كرامته؟ وبكل ما من شأنه كذلك أن يدفع بالناس إلى الأمام في شوط الحضارة.
إلى أن يصل إلى القول “لم يكن السر الذي كشفت عنه في ثقافتهم سراً واحداً بل هو عدة أسرار تآلفت كلها على صناعة المجتمع الجديد، فهناك العلم وهناك العمل، وهناك العدل الاجتماعي، وهناك حرية الفرد واعتزازه برأيه و بالطريقة التي يختارها لحياته، وهأنذا أضيف صفة أخرى هى روح المغامرة التي تنتهي بهم إلى إقتحام الطبيعة للكشف عن مكنوناتها فإذا حصيلة ذلك بين أيديهم علم وابتكار”.
إننا بحاجة لأن نقف طويلاً أمام عقلنا الراهن وما أنتجه من أزمات مركبة، فهل هو عقل واع؟ هل يمكن له أن يستفيق؟ فلا استفاقة بدون وعي، ولا نهضة بدون عمل، ولا عمل بدون ثقافة جديدة وإرادة صادقة، وأن نؤمن أن هذا الوطن هو سفينتا جميعاً، إذا غرقت، لا قدر الله، لن يكون هناك ناج ،فالكل غرقى، ولا حل إلا أن نعمل معاً لإنقاذ سفينة الوطن، إنني أرى الأستاذ سلماوي باقتباسه يقول لنا “كونوا على قدرها” حفظ الله مصر وشعبها.