مقالات الرأى

حازم عبده يكتب: مصير بقية الجسد

0:00

حين زرت السودان للمرة الأولى كتبت مقالاً بعنوان: زيارة إلى بقية الجسد، نعم مصر والسودان جسد واحد وشعب واحد، فكلمة ابن النيل هي جواز المرور لقلب كل مصري وسوداني في الغربة، فالسوداني ينادي المصري ابن النيل كأنه يناديه يا ابن العم والدم وشريان الحياة، لذا فإن أوضاع السودان المتفجرة تدمي قلوبنا جميعاً، ,النار المشتعلة هناك هي في بقية الجسد المصري، والرصاصة التي تنطلق في الخرطوم يدوي صوتها في القاهرة، ومن يقتل في الخرطوم تسقط جثته في شوارع القاهرة.
طوال متابعتي للشأن السوداني وما مر به من أزمات وصراعات، لم أعرف عنفاً كهذا الذي اندلع في الخامس عشر من أبريل الماضي بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع،حتى أن الصديق عبدالباقي جبارة رئيس تحرير صحيفة ترياق السودانية كتب يقول “لو كان الطرفان يمتلكان قنبلة ذرية أو نوية ما تورعا عن استخدامها”، وقد شهدت فترة حكمه الرئيس الراحل جعفر نميري والتي استمرت ست عشرة سنة، وقوع خمس عشرة محاولة انقلابية، مرت برداً وسلاماً،حتى في المحاولة الأخيرة التي أطيح به فيها على يد الفريق سوار الذهب الذي جمعني به آخر لقاء في المدينة المنورة عام ،2013 وشاءت الأقدار أن يموت ويدفن في البقيع في أكتوبر 2018، كان نميري في طائرته مغادراً قاعدة أندروز الجوية بواشنطن متجهاً إلى باكستان حين أبلغ بالتوجه إلى القاهرة وعدم العودة للخرطوم، وانتهى الأمر.
أذكر في عام 2012 كنت أستمتع بأجواء شوارع الخرطوم الهادئة، ومشهد النيلين الأبيض و الأزرق، وقفت ألتقط مجموعة من الصور على كوبري المقرن عند نقطة التقاء النيلين، حين تم القبض علي ونقلي إلى مقر أمن الدولة بالبرلمان بأم درمان، حيث رحب بنا الضابط المسؤول، واعتذر عما حدث بسبب ظرف طارىء في ذلك اليوم، وهو وقوع محاولة انقلابية قام بها صلاح قوش، ولولا ذلك ما عرفت أن هناك محاولة انقلابية.
ما يحدث في السودان استكمال لإحراق السودان المشتعل على الدوام وإحكام الطوق الحصار على مصر، فالغرب مشتعل وهاهو الجنوب، والشرق وما أدراك ما الشرق، وعلى الرغم من إيماني بأنه لا يستقيم الأمر في أي دولة بها أكثر من جهة تحمل السلاح، أو أكثر من جيش لكن الأمر في السودان من الاستثناءات، فقوات الدعم السريع على كل التحفظات عليها فهي جيش مواز وقوة لا يستهان بها والمنخرطون فيها سودانيون، وفي حصيلة الصدام القاتل والمقتول سودانيان، والمستفيد شيطان خارجي يقتات على الجثث والجماجم وحرائق الأوطان، أحرقه الله أينما حل أو ارتحل، لذا وكما تشير كل التحليلات العاقلة لا توجد ضربة قاضية، وإنما توجد خطوة تفضي إلى مفاوضات تنهي الصراع وتقود إلى توحيد جيش الدولة السودانية وإرساء سيادة القانون وتأسيس الدولة المدنية، وعودة السودان للبناء والعمران.
السودان لا تنقصه الموارد أو العقول أو السواعد، فبه الأراضي الخصبة والمياه الوفيرة والصحاري الحبلى بالذهب والفضة والموقع المفصلي في شرق القارة الأفريقية المشرف على البحر الأحمر وأبناؤه عقول جبارة في كل ميدان وقارة، علم وأدب ووطنية وإخلاص، فلما لا يعود عقلاء السودان لطرد اللصوص والعملاء ومشعلي الحرائق، ليقطعوا الطريق على تجار الحروب الذين تسللوا إلى بلادهم فأغرقوها وأحرقوها، والرهان على عقلاء السودان كبير، وعلى دول الاتحاد الأفريقي ودول الجوار لا على القافزين من الخارج أصحاب الأجندات الصهيونية.

زر الذهاب إلى الأعلى