د . إيمان إبراهيم تكتب : المرأة وحديث الإمام(٢)
نشأنا منذ نعومة أظافرنا على أن هناك من النساء من يتصفن بالنشوز، وتوطد ذلك المصطلح في أذهاننا لوجوده في القرآن الكريم ” وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنّ ” النساء:34 وتردده على مسامعنا سواء في الواقع من خلال الدعاة بل والعامة، أو من خلال الدراما المختلفة التي تتعرض لقضايا الأسرة والخلافات الزوجية التي تصل إلى المحاكم، واتهام المرأة بالنشوز، و تعرضنا في المقال السابق لشرح معنى النشوز ومظاهره بالنسبة للزوجة.
وأن عقوبة الزوجة الناشز يكون الضرب ضربًا رمزيا كعلاج وليس كعقاب، ولا ينتج عن ذلك الضرب ألم أو أذى أو ضرر للزوجة، وفى حالة ضرب الزوج زوجته الناشز ضربًا مؤلمًا فعليها أن تطلب التطليق، وعلى القاضي أن يمكنها من ذلك، ولها كل حقوق المطلقة بسبب الضرر، هذا ليس القصد منه تحريض الزوجات على الطلاق قط، ولكن القصد من ذلك إظهار المساواة والعدل بين الرجل والمرأة في هذا الأمر، أنه إذا ترتب على هذا العلاج أي خدشٍ أو جرحٍ، فمن حق الزوجة طلب التطليق وحق القصاص من الزوج، لأن الشريعة الإسلامية لا تجيز حق ضرب الزوجة ضربًا يؤلمها، أو يؤثر في جسدها أو حتى يُخيفها، حتى لو كان الزوج على يقين من أن هذا النوع من الضرب سوف يصلح من حالها، وذلك إعمالًا لقاعدة الإسلام في تحريم إلحاق الضرر بالمخلوقات ومنعه منعًا باتًا، والتي يقررها النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة عموم النفي في قوله “لا ضرر ولا ضرار”.
ولكن في المقابل لم أسمع قط عن رجل اتصف بالنشوز مهما ارتكب من أخطاء جسيمة في حق زوجته سواء كان هذه الأخطاء مادية أو معنوية، لا من قِبل الدعاة وأُولى الأمر، ولا في الحياة الواقعية أو في الدراما وفقًا لما سمعته وتعرضت له، مما أدى إلى ترسيخ بعض المفاهيم المغلوطة في الدين لدى الكثير منا، والتي جعلت بعض النسوة يعشن في كنف أزواجهن مهانات، خاضعات لمآربة غير الشرعية، التي تمنحه القوامة المزيفة والتي لا يعترف بها الشرع ولا عرف الرجال وليس أشباه الرجال.
ولكن ما صدمني وجعلني أشعر أن الكثير من النساء والرجال يعيشون في غيابات الجب، هو ما أشار اليه فضيلة الإمام الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر الشريف في هذا الصدد ليعرف جميع الغافلات ويتقين الله أشباه الرجال الذين يغالطون أنفسهم ويلصقون تصرفاتهم المشينة مع زوجاتهم بما ورد في القرآن وهو برئ مما يقولون.
فقد أوضح فضيلته أن النشوز كما يطلق على الزوجة وتوصف به يطلق أيضًا إطلاقًا متساويًا على الزوج ويوصف به، كما توصف هي به، ومعناه اضرار الزوج بزوجته، وجفاؤها وضربها وهذا ما نص عليه القرآن الكريم في قوله تعالى “وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ” النساء 128.
وقال إن من مظاهر نشوز الزوج اغضاب زوجته لأتفه الأسباب، التحامل عليها، التعدي عليها بلعنها ولعن أهلها، ترك المنزل طوال اليوم والعودة للمبيت فقط،، تهديدها بالطلاق أو التزوج بأخرى، السخرية منها ومن زينتها، ومظهرها، طعامها، ومستواها الاجتماعي والثقافي …وغير ذلك مما تمتلئ به البيوت من المكروهات شرعًا وعرفًا وانسانيا
ويعاقب هذا الزوج بناء على طلب زوجته عقوبة تعزيرية
ويقوم القاضي بتقدير هذه العقوبة، بدايةً من توجيه الموعظة مرورًا باللوم وانتهائها بالسجن، فإن أصر الزوج بعد التعزير على عناده ونشوزه، ورضيت الزوجة بالبقاء معه رغم نشوزه فإن القاضي يأمرها بهجر زوجها في المضجع، فإن لم يفده الهجر وأصر على عناده، ضربه القاضي تعزيرًا.
وقد أوضح العلة في عدم تأديب المرأة لزوجها الناشز كما يفعل الزوج مع زوجته الناشز أن ذلك يرجع إلى طبيعة المرأة وانها لو فامت بضرب زوجها الناشز فإنه لا محالة من انقلابه على الفور إلى وحش ضارٍ، وعندها تكون هي الضحية، لذا عهد بالزوج إلى سلطة تستطيع تنفيذ العقوبة عليه وبوسائل لا يستطيع هو مواجهتها.
إذاً فالإسلام وضع المرأة والرجل على قدم المساواة في النشوز، بل وكان أكثر رحمة وحرصًا على المرأة عندما جعل ولى الأمر يقوم بتنفيذ العقوبة التعزيرية على زوجها الناشز، خوفًا عليها مما يترتب على قيامها بتنفيذ تلك العقوبة من الضرر الذى سيصيبها.
والنداء هنا للناشزين من الرجال والنساء فليتقي الله كل منكم في زوجه، ولنحقق جميعًا الهدف الأسمى من الزواج وهو تحقيق السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، فالرجل والمرأة خُلقا ليكمل كل منهما الآخر، وليس ليعذبه ويشقيه ويمارس عليه الفوقية، بل وينكر حقوقه الشرعية مستندًا للهوى والنزعات الشخصية، وبعض المفاهيم الشرعية غير الصحيحة، لندعوا الله جميعًا أن يصلح ذات بيننا، ويهدينا لصالح أبنائنا وانفسنا…