حازم عبده يكتب: انتخابات كازاخستان

كلما نظرت إلى منطقة وسط آسيا رأيت موطن الظاهر بيبرس والفارابي، ذلك الكيان الضخم الذي يتمدد بطول 7 آلاف كيلو متر مع الدب الروسي وأكثر من ألفي كيلو متر مع التنين الصيني، ويشرف على بحر الخزر( بحر قزوين) بطول 1900 كيلو متر، ويجاور أوزبكستان وقيرغزستان وتركمانستان، إنها أكبر دولة في العالم الإسلامي مساحة ( 2.7 مليون كيلو متر مربع)، حافظت كازاخستان على رقعتها الشاسعة منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991 وسط أمواج عاتية من الصراعات في العالم لم تترك شبراً إلا مزقته.
تعرضت كازاخستان في يناير عام 2022 لمؤامرة لإسقاطها عبر أعمال شغب وعنف وحرق وتخريب اندلعت في العاصمة القديمة آلمآتي، غير أن حكومة الرئيس قاسم جومارات توكاييف الذي تسلم رئاسة البلاد عام 2019 عقب تخلي الرئيس الأول، نور سلطان نزارباييف عن السلطة، نجح في امتصاص صدمة المؤامرة وإطفاء النيران المشتعلة، والسيطرة على الأحداث على فداحتها، وواصل مشروعه الذي أعلن عنه عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية المبكرة في يونيو 2019 للإصلاح ومحاربة الفساد، وقد شاركت في تغطية هذه الانتخابات وحضور أول مؤتمر صحفي للرئيس توكاييف في القصر الرئاسي عقب فوزه، وكان واضحاً أن الفساد هو الهاجس الأول للرجل وأنها معركته يستشعرها ويعرف معالمها.
الفساد لص وقاطع طريق على تقدم أي أمة، وهو مرض عضال ينهش موارد أية دولة مهما عظمت، ولعل أحداث آلمآتي تفسر ذلك الصراع ضد الفساد ورموزه، كما كشفت هذه الأحداث المأساوية والوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد أن المجتمع يحتاج بشدة إلى إصلاحات أساس في نظام الإدارة العامة، ومواصلة إنجاز التحول السياسي المنهجي الذي بدأ عام 2019، لبناء كازاخستان العادلة، في إطار التجديد الشامل للبلاد. تحت مظلة برنامج الإصلاحات السياسية، والإصلاح الدستوري الذي استفتي عليه المواطنون، والانتخابات الرئاسية المبكرة في نوفمبر 2022.وتشمل الإصلاحات انتخاب الرئيس لولاية واحدة فقط، و تخلي الرئيس عن التركيز المفرط للسلطات في يده، وتقوية البرلمان، وتبسيط إجراءات تسجيل الأحزاب، وتعزيز دور الإدارات المحلية، وتحسين النظم القضائية وإنفاذ القانون، و تشكيل نموذج انتخابي أكثر انسجاما يراعي حقوق جميع المواطنين.
وكازاخستان على موعد في 19 مارس الجاري لاستكمال مؤسساتها الدستورية بانتخاب برلمانها بغرفتيه (النواب والشيوخ) على أسس جديدة تتيح دائرة أوسع في الاختيار، وتمثيل الفئات والعرقيات والمناطق الجغرافية المتنوعة في هذه البلاد الشاسعة، فتضم البلاد أكثر من 146 مجموعة عرقية، وإن كان الإسلام هو دين الأغلبية من سكانها الذين يصل تعدادهم إلى نحو 19.5 مليون نسمة إلا إنها تضم مسيحيين ويهود وبوذيين وغيرهم. كل الدعوات أن تنجح التجربة في انتخاب عناصر برلمانية قادرة على حسن التشريع والرقابة لبناء كازاخستان المستقبل، فاستقرار أي بلد مسلم وتقدمه هو استقرار وتقدم لبقية دول منظمة التعاون الإسلامي.