مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: المترو… محطات _ المحطة الثانية: تربية وتعليم

المترو فرصةٌ ذهبيةٌ للقيام برحلة ليس على سِكَّتِه الحديديةِ بالطبع، فأنت إما تحت الأرض أو مُحاصَر بأسواره الخرسانية فوقها، الرحلة هنا بين صفحات كتاب، قد يكون استعدادًا للامتحان – وهذا مشهدٌ لا يَغيب عن المترو في مواسم الامتحانات -، أو تلاوةً لآياتٍ من الذكر الحكيم لاستثمار الوقت ونيل الأجر والثواب – ولكن بصوتٍ لا يؤذي أحدًا -، أو باستكمال رحلة مع رواية لم أستطع إكمالها في البيت بسبب المهام التي لا تنتهي، وهذا النوع الأخير أنتمي أنا إليه.

أتعلمون أن للقراءة في المواصلات العامة – خاصة المترو – فوائدَ جمة؟ لنبدأ العد، أولا: الثقافة والاستذكار، ثانيا: الوصول إلى وجهتك مهما كانت بعيدة دون تململ؛ إذ لا تشعر بالوقت، ثالثا: الانفصال عن الواقع المحيط والاستمتاع بالهدوء النفسي خاصة وسط غابة الباعة الجائلين والشحاذين وحوارات النساء التي لا تنتهي – باعتباري من مرتادي العربات المخصصة للسيدات -.
لكن ما أدهشني هنا، أنه بإحدى محطات المترو في بداية العام الدراسي الذي نحن بصدد نصفِه الثاني الآن، إحدى السيدات التي دخلت العربة التي أركب بها حاملةً حقيبةَ سفر من مظهرها الخارجي تحوي كتبًا، لم ألتفت لها في بداية الأمر لأني توقعتُ أنها تبيع رواياتٍ وكتبًا أدبية ( Copy ) كما يسمونها – وهي نسخ مطابقة للكتب الأصلية دون الرجوع لحقوق النشر والطباعة -، المفاجأة أنها كانت تبيع كتبا مدرسيةً صادرةً عن وزارة التربية والتعليم!! من أين حصلتْ عليها خاصة وأن بعضَ المدارس الحكومية والخاصة حينها لم تكن حصلتْ على حِصّتها من كتب الوزارة رغم بَدء العام الدراسي؟!!

تساؤلاتٌ عديدة قفزتْ إلى ذهني، في مقدمتها: مَن المسؤول عن وصول الفساد لمنظومة توزيع الكتاب المدرسي؟ هناك خللٌ في سلسلة الرقابة في مكان ما، تسربَ منه هذا المشهد الذي صدمني بعربة المترو!! الطريف أن بعض السيدات تهافتوا على رقم هاتفها للحصول على ما ينقص أولادَهم من كتب دراسية، وعند سؤالي إحداهن: لماذا تشتري الكتبَ التي دفعتِ ثمنها مسبقا ضمن المصروفات؟! أجابتني بأن جزءًا لا بأسَ به من الكتب لم يتسلمه ابنُها العامَ الماضي إلا قبل امتحاناته بأيام!!

هل سيتكرر المشهد في الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي الحالي؟! لا أعلم، غير أن الذي أعلمه يقينا أن هناك (مافيا) جديدة تُرسخ أقدامَها بمنظومة التربية والتعليم في مصر، جنبا إلى جنب مع (مافيا) الدروس الخصوصية والمدارس الخاصة، قادرة على وضع الأسر المصرية في عام دراسي ذي أجواء بوليسية مشوقة!!

زر الذهاب إلى الأعلى