مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: المترو … محطات

أعطونا مما أعطاكم الله، ينقصني خمسون جنيها فقط للحصول على الحقنة، لا أجد سعر الدواء، أنا أرملة أربي ٣ يتامى / ٤ يتامى …. إلخ، حسب التساهيل!!! نداءات تصدح بها الأفواه ليلَ نهار بين جنبات مترو الأنفاق، وشهادات مرضية وروشتات تتشابه في هشاشتها وعدم وضوح تفاصيلها، غايتها الوحيدة الوصول إلى ما في جيبك من أموال!!

لماذا الحديث الآن عن هذه الظاهرة الأبدية في مواصلات مصر العامة، والمترو على وجه الخصوص؟! لسببين، أولا: لأنه لا يوجد مصري لا يعاني اليوم من الحصول على لقمة عيشه بسبب غلاء الأسعار، وثانيا: لأننا في مستهل موسم العطايا، موسم امتلاء جيوب الشحاذين بداية من رجب وحتى رمضان والعيد، وربِّي يعطي كل كريم.

للأسف تصادف ركوبي أنا وابنتاي يومًا في مترو الأنفاق وبدأ توالي فقرات الشحاذين المعروفة لي عن ظهر قلب – فأنا من مرتادي المترو لقربه من منزلي – وفجأة رأيتُ بناتي يستحثونني على إعطاء هؤلاء المساكين، غاضبين من تجاهلي وأنا الذي أشجعهم دومًا على الكرم والعطاء، ورغم ردِّي بأنني أنا المسكينة وليسوا هم، لم تغِبْ نظراتُ الاستغراب عن وجوههم حتى أكدتُ لهم أن هؤلاء الشحاذين لا تُشْفَى أمراضُهم، ولا تتغير حالتهم الاجتماعية البائسة مهما تبدلت الأجيال، وأنا أعرفهم عن ظهر قلب، خاصةً تلك التي تَجمع (الخمسين جنيه) باقي ثمن الحقنة، التي لو كانت حقنة الشباب الدائم ما استمرت كل تلك السنين تنادي عليها!!

يعجبني طيبةُ قلب المصريين عندما يبررون هذه التصرفات، بأن (الحياة صعبة وربنا يحاسبهم على نياتهم ومافيش شغل)!! لكن تلك الدعاوى تتحطم فور رؤيتي رجلًا لا ينقصه صحة ولا عافية – بل ينقصه الماء والصابون الذي لم يعرف لهم سبيلًا لشهور – يقوم بالشحاذة!!

أتدرون من يُنفرني من هؤلاء أكثر؟ رؤية المتعففين الذين ينحتون الصخر للحصول على لقمة العيش الحلال وتملأ نفوسَهم العِزة ، لتأبى طلبَ المساعدة من غير الله، هذا بالإضافة لمن تجرأ – نظرًا لضياع ماء وجهه – فإذا لم تعطه كالَ لك الدعوات بالفقر وقسوة القلب إن لم يرمك بألفاظ نابية!!

لذا ومِن هنا أدعو كل المصريين خاصةً راكبي المترو: أنفقوا أموالكم مهما قلّت العطايا على مَن يستحق، وتحققوا من أنها تذهب للمتعفف، أعلم أن التحقق يحتاج مجهودا، وكذلك أموالك حصلتَ عليها بمجهود، لذا بإعطائكم من لا يستحق تحرمون من يستحق، وتشجعون إمبراطوريات الشحاذة داخل مترو الأنفاق.

زر الذهاب إلى الأعلى