قرأت لك

قراءة متأنية فى كتاب “مستقبل الثقافة فى مصر العربية” للدكتور سليمان حزين (10)

قراءة وتحليل د.حامد عبد الرحيم عيد :

” التعليم ودوره فى تنمية الفكر القومى”

تحدثت فى المقالات السابقة عن الفصول الاولى من كتاب “مستقبل الثقافة فى مصر العربية” للدكتور سليمان حُزين وجاءت بالترتيب: “جذور الثقافة فى مصر العربية”، “ثقافة مصر فى مسيرتها مع الحضارة والتاريخ”، “ثقافة مصر العربية المعاصرة والمؤثرات الداخلية والخارجية بها”، “المتغيرات المعاصرة فى الغرب والشرق وفى العالم العربى” وكيف كان صداها المرتقب فى الفكر والثقافة، “تتابع أجيال الثورة فى مصر العربية المعاصرة”، “مشروع ميثاق العمل الثقافى فى مصر”، وكان الفصل السابع بعنوان “فلسفة المعرفة والتعليم فى مصر عبر العصور”، وجاء الفصل الثامن بعنوان”التربية السياسية: تنمية الشعور الوطنى بالانتماء والمسئولية”.
وفى مقال اليوم، نأتى الى الفصل التاسع من الكتاب والذى خصصه د. سليمان حُزين حول “دور التعليم فى تنمية الفكر القومى فى مصر المستقبل” وهو أيضا عن تقرير تم عرضه للمناقشة فى المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى والتكنولوجيا فى دورته العشرين عام 1992، حيث بدأ التقرير بأن قضية التعليم ودوره فى تنمية الفكر تلعب دورا اساسيا فى المحافظة على استقرار الدولة ونموها من خلال تنمية قدرات الشباب القدرة على التفكير بدون أن نلقنهم فكرا بعينه وكذلك تهيئة الخدمات التى تساعدهم على اكتساب مهارات الحصول على المعلومات والمعرفة من خلال تفكير علمى موضوعى وحر غير متحيز يتميز بالابتكارية والاصالة بحيث يصل الى ما يشاء من أفكار احتراما لانسانيته وثقة فى قدره.
إذن القضية هى فى حقيقتها تتعلق بدور التعليم فى إعداد الانسان الحر الواعى المدقق المفكر المبتكر الملتزم بقيمه وظروف المجتمع الذى يعيش فيه اى ذلك المواطن الصالح المؤمن بالله والذى يراعى علاقاته بالاخرين ويحافظ عليها. فالتربية هى حقا من حقوق الانسان، وحاجة انسانية كما أنها تشمل نموا شاملا منها الجسمانى والروحى والعقلى والوجدانى والاجتماعى فى صورة متكاملة تكفل استقرار وتطور المجتمع الى الافضل.
إن عملية تهيئة التعليم فى مصر ليكون قادرا ومساهما بفعالية لن نبدأها من فراغ، فلنا تاريخ وماض وتراث حضارى عريق فقد اسهمنا فى الثقافة العالمية على مر التاريخ، وكانت مصر بوتقة تفاعلت معها وبها مختلف الافكار وتلاقى فيها القديم والجديد وبات الشعب المصرى متنوع الثقافة، وهنا لا بد أن نعيد النظر فى تطوير مناهج تاريخ مصر القومى فى مختلف مدارسنا وجامعاتنا لتشمل النواحى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بغرض تقوية الشعور بالانتماء للوطن، بدون الاستغراق طويلا فى النظر للماضى حتى لا يشغلنا عن الحاضر والمستقبل. وقد خلص د. سليمان حُزين فى هذا المقام بأنه اذا كان التعليم حقا فى مرحلة التعليم الاساسى فيتوجب إتاحته فى باقى المراحل حتى المرحلة الجامعية على ان يكون محكوما بحاجات المجتمع والانتاج، ولا ينبغى ألا تنفصل التربية عن التعليم بل يجب الربط بينهما، ويأتى الاهتمام بالمعلم وتأهيله لأهمية دوره، كما يجب ان يكون ضمن اهداف العملية التعليمية أن نغرس فى نفوس أبنائنا تعليم حقوق الانسان والحريات الاساسية واحترام سيادة القانون كشئ نابع من ضمير الانسان نفسه ملبيا لاحتياجاته ومحققا لمصالح الوطن كله وليس لفئة بعينها وأن يكون معبرا عن واقع المجتمع فالجميع سواسية أمامه.
وعن النظام التعليمى فكله يحتاج الى مراجعة من حيث اعداد الطلاب ومستواهم وتعاظم نسبة الامية والتسرب من التعليم الاساسى وفشل الطلاب فى دراستهم، بالاضافة الى تدهور المدرسة اداريا وتربويا وسلوكيا وضعف البنية الاساسية، كما أن يتوجب ان تتضمن الاستراتيجية التعليمية المتكاملة الوضع السكانى واتجاهاته، وتصنيف الطلاب حسب العمر، وتعديل البرامج والمقررات لتتوافق مع متغيرات الحياة والعصر وربط سياسة التعليم بسياسة البحث العلمى مع تحديد اهدافها لخدمة التمنية فالتعليم وحدة كاملة من اول مرحلة لاخرها وأى فشل فى أى منها ينعكس على الكل. وهنا لا بد من وضع اجراءات تنفيذية لاهداف التعليم كاضفاء طابع الديمقراطية السليمة، وضمان تكافىء الفرص، واعداد الطالب لدخول معترك الحياة العامة وممارسة التعليم المستمر مع حسن التعايش والمواطنة السليمة مع التعريف الكافى بالثقافة الوطنية والتراث والقيم الاصيلة.
أما عن تفشى الامية وخطورتها على الامن القومى فقد تحدث التقرير عن اربعة قضايا يمكن أن يحدثها انتشار الامية بين المواطنين منها: ان إهمال اللغة العربية وتفشى الامية قد يقللا مقدار النضج فى الفكر القومى وفقدان التوافق فى منظومته، كما أن قصور فهم الافراد لما يقرأون قد يعطل التواصل بينهم ويشوش افكارهم فحاجتهم للمعلومة يزيد من القدرة والاقبال على التعليم، وايضا فإن قصور استخدام وسائل ومبادىء التعليم والتربية الحديثة قد يقلل من جودة الفكر وتنوعه واتزانه، وأخيرا فإن انتشار شبه المثقفين وأنصاف المتعلمين فى مجالات التعليم والاعلام والدعوة يمكن أن ينتج عنه فكر قومى ضحل، فيكونوا مصدرا للغوغائية وتقلب الاراء، وهنا يتطلب الامر تنشيط المنتديات الثقافية ومراكز الثقافة من أجل تفعيل تبادل المعرفة.
وعن قيمة الحرية يتساءل التقرير هل يمكن ان نساوى بين الحرية الفردية وحق المجتمع..؟ إن قيمة الحرية تبرز فى كيفية التعامل مع الاخر وتبادل الرؤى والاستماع اليه، وهذا الامر يتم التدريب عليه والتفاعل معه بداية من البيت ويتم تنميته بالمدرسة، وتصقلهما الجامعة ثم يتم نقلهما الى مؤسسات المجتمع التى يجب ان تشجع على حرية التفاعل بين افرادها وغالبا ما يكتسب الافراد منذ التنشئة الاولى بعض من تلك الخصائص التى تميز فكرهم القومى بدعم مستمر من المعلم والمربى وقادة الفكر والاعلام.
أما عن لفظة الرأى العام والذى هو فى حقيقته الفكر القومى فإنه يظهر عندما تثار قضايا تهم المجتمع وينشأ عنها تضارب وقلق واحباط فلا بد من أن تنبثق موضوعات الدراسة فى جميع مراحل التعليم من حياة الناس ومجتمعهم بحيث يشاركون فى حلها والعمل على تفسير اسبابها ومكوناتها وهنا لابد ان تكون المدرسة والجامعة مكانا يعلم الشباب كيف يتحول الرأى الشخصى الغير معلن الى رأى عام معلن والذى يتأتى بتفاعلهم معا ومع افراد المجتمع وقضاياه ليكُونوا رأيا مشتركا وارادة مشتركة من مجموع العقول، وهنا يأتى دور اولى الامر من اساتذة ومعلمين وقادة فكر، ولن يضير الامر شيئا بوجود قلة من المتطرفين فذلك يعتبر عنصر ثقافى يدعم التغيير العميق ولا ضرر منه بشرط الا يكون مصحوبا بالعدوان على الاخرين. إن العقل والادراك الجماعى هو نتاج انصهار العقول الفردية معا والذى ينتقل عن طريق اللغة القومية والتعبيرات الحركية والاتصال بشرط ان تكون خالية من الغوغائية والشطط، وهنا لا بد للتواصل الا يكون من طرف واحد فهذا لن يساعد على تكوين ادراك جماعى أو اشتراك فعال بين الافراد.
———
استاذ بعلوم القاهرة
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى