احمد محمد صلاح يكتب : بنية العقل المصري
المماليك والعثمانيون كان لهم اثرا بالغ القسوة علي الفكر العربي والمصري بوجه الخصوص، حيث اصبح الفكر المصري في حالة جمود ، ثم انحدار، بعد ان تحولت كل العلوم الدنوية الي علوم محرمة، واقتصر تعلم علوم الرياضيات فقط لحساب المواريث، واعتبرت علوم الفلك والفيزياء والكيمياء وغيرها من العلوم المحرمة ، مما ادي الي توقف التطور، ثم الجمود والكمون الحضاري لقرون .
في تلك الفترة كانت اوروبا تأخذ من المؤلفات العربية، ومن العلماء العرب، كل الأفكار والكتابات، وتقوم بتطويرها، لتصبح اوروبا ، ومن بعدها امريكا، هي القوة الفكرية في العالم، والتي قامت علي الكتاب و العلماء العرب .
الأخطر من ذلك هو اللعب في العقل العربي ، وتعظيم دور الغيبيات، واساليب السحر والدجل والشعوذة التي دخلت الي الثقافة الشعبية في كافة الأقطار العربية، وربط هذه الأمور مع الدين، في عملية سياسية ـ ان صح التعبيرـ لتغييب العقل المصري والعربي ككل .
ليس هذا فقط بل كانت الحقبة العثمانية والمملوكية، حقبة حلب الفكر المصري وتفريغه ، بعدما تم ارسال العماله الماهرة الي تركيا، وتوقف الصناعات المصرية وما يتبعها من ابتكار متصل بالفنون، ادي الي تحول الكثير من تلك الفنون الي مجرد تقليد للماضي او علي اقل تقدير، محاولة للاستمرار من الاندثار .
ثم كانت الحملة الفرنسية علي مصر
تلك الحملة التي جاءت الي مصر في عام 1798، لتسبب ما يشبه الومضة الحضارية، بعد ان استقدمت معها عدد من العلماء ، الذين اختلطوا مع علماء الازهر، والذين توقف فكرهم عند العلوم الشرعية، ليجدوا انهم قد تأخروا لقرون عدة، وأن هناك العشرات من الأمور الحياتية والدنيوية التي لم يستطيعوا معرفتها ، بعد ان تغييبهم عمدا من قبل المحتل العثماني، وتصدير لهم فكر يحرم اي تطور فكري باعتباره من البدع .
كانت الحملة الفرنسية بمثابة طاقة النور التي جاءات لتقول للمصريين ان هناك حياة اخري خلف ذلك البحر، ووراء تلك الصحاري، حياة مختلفة كليا، اخذنا منكم الكثير، وتطورنا عنكم بمراحل، ولكن المصريون عاشوا فترة وجود الحملة الفرنسية علي خطين متوازيين .
الخط الأول وهو خط مقاومة المستعمر، والخط الثاني هو خط تأمل المستعمر، وعلومه، وكان لابد وان يحدث نوع من التصادم بين الجانبين ، فكان قتل العلماء في مقابل محاولات علماء الازهر الشريف من الاستفادة من علماء الحملة والمجمع العلمي بقدر الامكان .
ثم جاء محمد علي الي حكم مصر بعد اربع سنوات تقريبا من خروج الفرنسيين من البلاد، ومعارك سياسية طاحنة ، بين العديد من القوي المتجاذبة لتفوز بتلك البقعة الهامة في العالم، لياتي ذلك الألباني الذي لا يجيد القراءة والكتابة، ولا يجيد العربية، ولكنه جاء بمشروع ضخم، وادراك لأهمية الموقع، والتاريخ، جاء لتبدا من هنا اولي مراحل اعادة تشكيل الفكر المصري وتحديد بنيويته
ولهذا مقال اخر