راندا الهادي تكتب: طالب (إم چي) في رمضان!!
هناك أوقاتٌ من العام لها خصوصيةٌ تستلزمُ وجودَك وسط العائلة، وبجوار أحبابك حتى تستمتع بلذّتها وعبَقها، من هذه الأوقات شهرُ رمضان، والفقيرةُ إلى الله منذ أن بدأتْ رحلتها مع التعليم خارج حدود الدقهلية، بعيدا عن حضن العائلة ودفء اللمة، وهي تتذوق جميعَ المناسبات بطعمٍ مختلف خاصةً رمضان.
ولن يعرف أحدٌ شعورَ أن يؤذن المغرب وأنت بمفردك، واضعًا المُتاحَ من الطعام أمامك، مُفتقدًا كل تفاصيلك الدافئة وسط أسرتك… إلا الذي مرّ بمثل هذه التجربة _ لا حرمكم الله من حضن الأحبة _ ولكنها ضريبةُ الالتحاق بكلية الإعلام جامعة القاهرة.
هل تعلمون إذن كيف كنا في المدينة الجامعية نعالج هذا المعضلة؟! سأحكي لكم: بدايةً، في رمضان يجب أن تنزل قبل الأذان بأكثر من نصف الساعة للحصول على الطعام؛ نظرًا لأن الكل متوجهٌ في هذا التوقيت لإحضار وجبته، وكلما بكّرتَ في الذهاب حصلتَ على وجبتك قبل الزحام، غيرَ أن العيب الأصيل في هذا البكور هو برودةُ الطعام خاصةً (الشوربة) _ التي لم نكن نراها نحن طلابَ الـ (إم چي) إلا في رمضان _، فما كان علينا سوى تسخين الوجبات قبل الإفطار بقليل في مطبخ الدور بالمبنى المخصص لكل كلية، وإضافة البهارات للحوم من أجل مزيد من الطعم.
وفي محاولةٍ منا لإضفاء الدفء على رمضان البعيد عن الأسرة، كنا ندعو بعضَنا البعض لتناول طعام الإفطار في إحدى الغرف، ولا أنسى قطعةَ الكنافة اللذيذة التي كانت تضاف مع الطعام في رمضان، حيث كنا نَهْنَأُ بها مع كوبٍ من الشاي الدافئ بعد الإفطار.
ولا يخلو الأمرُ من عزومةٍ هنا أو هناك لإحدى الزميلات التي أسعَفَها الحظ ونزلت إجازة للعائلة وعادت مُحملةً بأصناف الأكل الشهي، كالمحاشي وصواني الفُرن وأشهى الحلويات، لندعو لها ولأهلها مع تناول تلك الأطايب، وكأننا من مريدي السيدة الذين وصلهم المدد.
قد يتساءل البعض، أين الترفيه والمتعة في المدينة الجامعية؟ سأخبرك، لا تتعجل، طبعا أنا من جيل الثمانينيات، حيث كانت الدراما الرمضانية الهادفة لا تزال تتربع على عرش القلوب من خلال القنوات الرسمية بعمل أو عملين على أقصى تقدير نتابعهما بشغف.
في غير رمضان كان مسموح بمشاهدة التلفزيون ليلا في بهو المبنى الخاص بكل كلية يومي الخميس والجمعة ولكن بعد محاولاتٍ مضنية لضبط القنوات عن طريق الهوائي الداخلي (الإريل)، أما في رمضان فكان الوضعُ مختلفًا، حيث يُسمح بمشاهدة التلفزيون يوميا بعد الإفطار، ونظرا لبرودة الجو بعض الشيء في البهو، ولأن التلفزيون كان حبيسَ غرفة المربيات (الدادات)، كنا نجتمع بالغرفة لننعم بالدفء ونستمتع بمشاهدة السهرات. ولا أنسى في أحد أيام الشتاء، حيث كانت (الدادة) تُعِدُّ حَلّةً من محشي الكرنب بجوارنا، ولكن بحِرْفية لم أرَ لها مثيلًا، فتركتُ مشاهدة التليفزيون وتحولتُ لمتابعةِ حِرْفيتها في تقطيع أوراق المحشي بالتساوي وبدقةٍ عالية.
ومن حسن حظي أن رافقتني بغرفتي إحدى الصديقات العزيزات إلى قلبي من عروس البحر المتوسط (الإسكندرية)، مازلت أتذكر اسمَها، الرقيقة (رحاب سليم) _ لها كل التحية أينما كانت _ حيث أحضرتْ معها في إحدى المرات (ميني تلفزيون) صغير الحجم ولكنه رحِمنا من النزول والجلوس بالبهو عُرضةً لِلَفَحَاتِ البرد في الشتاء وهبّات الرطوبة بالصيف، غير ذلك كان الجميع يحمل راديو (ترانزستور) بجواره على السرير لمتابعة ما يدور بالعالم حولنا.
بالنهاية، لا أدري هل أكمل مقالاتي تحت عنوان طالب (إم چي) أم أكتفي بهذا القدر؛ تفاديا للملل؟! سنرى.