محمد أمين المصري يكتب : طموحات نيتانياهو الأبدية في الحكم
لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو يدرك أنه على وشك ترك منصبه واعتزال العمل السياسي نتيجة الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد حركتي حماس والجهاد في قطاع غزة، فهو يصور للإسرائيليين أنه يحقق انتصارا على الفلسطينيين، ولكنه في واقع الأمر لم يحقق أي انتصار في هذه الحرب الغاشمة، بدليل أنه رضخ لعقد اتفاق هدنة مع حماس لتبادل إطلاق الأسرى بين الجانبين، وهو الاتفاق الذي رفضه بشدة في بداية الحرب، وقال أن هدفه الأساسي والرئيسي هو القضاء على حركة حماس كاملة، قادة وعناصر وسلاح وأنفاق وبنية تحتية، ولكان جاء اتفاق الهدنة وملحق تمديدها ليؤكد فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي في تحقيق مبتغاه.
ما يقوله نيتانياهو عن تحقيق انتصارات في الحرب لم يرق إلى معسكر اليمين الذي انقسم بشأنه، فجزء منه لا يزال يقف خلف رئيس الليكود ويشد من أزره ليواصل الحرب على غزة لحين تحقيق أهدافه وتغيير السلطة الحاكمة هناك، في حين يضغط جزء آخر لإجراء انتخابات مبكرة بعكس رغبة الجيش الذي يريد إطالة أمد الحرب.
الفريق المؤيد لنيتانياهو يحاول مخاطبة الإعلام ويقول أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحارب أكثر من عدو، حتى أنهم ضموا الولايات المتحدة رغم تأييدها للحرب الإسرائيلية سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا، للفريق المعادي لنيتانياهو لمجرد أن أبدت واشنطن موافقة على حل الدولتين. أما بقية الأعداء فهم حماس والجهاد وإيران، وحتى وقتنا الراهن يجتهد فريق نيتانياهو في دعمه وعدم تقديمه ككبش فداء للقصور الأمني والاستخباري الذي أدى إلى عملية السابع من أكتوبر وهجوم حماس القاتل ضد الإسرائيليين.
فريق نيتايناهو رفض مبدأ التفاوض من أجل التوصل إلى هدنة إنسانية مع حماس، وهؤلاء يؤيدون استئناف الحرب على غزة، حتى لو كان الثمن وقف اتفاقات تبادل الرهائن، وذلك بدعوى أن الانتصار في الحرب هو الذي سيجلب الرهائن. حتى أن هذا الفريق اعترض على حملات عائلات الرهائن التي تطالب بسرعة إطلاق رهائنهم بأي ثمن حتى لو كان وقف الحرب. ويطالب هؤلاء باستئناف الحرب فورا وإخضاع حماس حتى تسلم المخطوفين بلا صفقة.
أما الفريق الآخر فيرى أن نيتانياهو على مدى سبعة أسابيع لم يحقق مبتغاه وهو القضاء على حماس ، قيادات وعناصر وسلاح وأنفاق وبنية تحتية، وأنه يواصل الحرب فقط للحفاظ على منصبه مستغلا دعم اليمين له، وأنه – أي نيتانياهو – لا يسعى مؤخرا سوى عقد لقاءات مع أعضاء حزب الليكود لمنع التمرد ضده من أوساط أخرى بالحزب الذي يقود الائتلاف اليميني الإرهابي.
يريد نيتانياهو التعرف على نبض الليكود سواء عبر لقاءات شخصية له مع قيادات وعناصر بالحزب، أو تكليف مقربين منه لرصد الأجواء، ولكنه يشيع كي يقنع المعارضين له بقبول حكمه وعدم التمرد ضده، بأنه الشخص الوحيد القادر على الانتصار في الحرب ومنع إقامة دولة فلسطينية، ويقول للجميع : ”لا أحد سواي يستطيع منع إقامة هذه الدولة حتى لو وقف بايدن وراء ترسيخ حل الدولتين“. المقربون الذين التقاهم نيتانياهو التقطوا رسالته ومفادها أنه لن يغادر موقعه في الحزب أو الحكومة وأنه باق طالما قلبه ينبض ”التنحي ليس مطروحا على أجندته ولن يستطيع أحد إزاحته من مكانه حتى لو كانت دبابة ضخمة.
أما بالنسبة للموقف العسكري وبغض النظر عن اتجاهات اليمين المتطرف بشأن استمرار الحرب وعدم الرضوخ لنداءات أهالي الرهائن، فقادة الجيش (وزير الدفاع يوآف جالنت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي) يسعيان بلا كلل للمخاطرة وشن المرحلة الثانية من الحرب البرية على قطاع غزة رغم تراجع رغبة الجمهور الإسرائيلي في استمرار الحرب.
وثمة عامل مهم في استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وهو القرار الأمريكي، حتى لو اعترفنا بالدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل في هذه الحرب، مثل امدادات الأسلحة والصواريخ والقنابل الكثيرة التي تم إطلاقها وإلقاؤها على القطاع، ومشاركة قيادات عسكرية أمريكية نظرائهم الإسرائيليين في غرفة العمليات العسكرية في تل أبيب، وثمة اتجاهات تشير إلى أن الولايات المتحدة ستؤيد انطلاق المرحلة الثانية من الحرب البرية ضد غزة شرط عدم المبادرة للتصعيد في الشمال، وتغيير قواعد الحرب في غزة، بحيث لا يمس ذلك المدنيين، والحرص على توسيع المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، وطرح خطة لليوم التالي بعد القضاء على (حماس)، حيث إن السيناريو المفضل لواشنطن هو عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع والبدء في التفاوض حول حل الدولتين، وهو ما يرفضه نيتانياهو بقوة خشية تخلي أنصاره في اليمين الإسرائيلي عنه، إذ يرفض هؤلاء أي بادرة لاستئناف عملية السلام قد تقود إلى إعلان دولة فلسطينية جار لإسرائيل.