قراءة متأنية فى كتاب “مستقبل الثقافة فى مصر العربية” للدكتور سليمان حزين (3)
بقلم - د.حامد عبد الرحيم عيد
تحدثت فى المقالين السابقين عن فصلين من فصول كتاب “مستقبل الثقافة فى مصر العربية” للدكتور سليمان حزين حيث القيت الضوء على الفصل الاول من الكتاب حول “جذور الثقافة فى مصر العربية”، والفصل الثانى عن “ثقافة مصر فى مسيرتها مع الحضارة والتاريخ”، وفى هذا المقال سيتركز حديثنا عن الفصل الثالث الذى جاء بعنوان “ثقافة مصر العربية المعاصرةوالمؤثرات الداخلية والخارجية بها” وهو عنوان بحث عرضه د.حزين للمناقشة فى شعبة الثقافة بالمجلس القومى للثقافة فى دورته السابعة عام 1984 حيث كان مقررا لها. حيث عرض العناصر الثلاثة التى تتشكل منها أى ثقافة وتتمثل فى: التراث التاريخى والحضارى فى فتراته المتعاقبة، المؤثرات الداخلية المتفاعلة مع مكونات البناء الاجتماعى فى فترة ما، ثم المؤثرات الناتجة عن الاتصال مع العالم الخارجى ومدى القبول أو الرفض للمفهوم العام للثقافات الاخرى.
يؤكد د.حزين فى معرض حديثه أن لفظة ومفهوم الثقافة فى الفترة المعاصرة بمصر لم يتم استخدامها قبل العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين وكانت أقرب للادب ثم أرتبط بالتعليم. ومع قرب الخمسينيات تحدد بإنشاء وزارة الثقافة. كما أن التطورات العالمية أدت الى تقسيم العالم الى بلاد متقدمة وأخرى نامية على أساس اقتصادى بحت، ومن ثم برز مصطلح التنمية الاقتصادية. وعندما أنشأت منظمة اليونسكو ظهر مصطلح جديد هو التنمية الثقافية وهنا بدأت مصر كبقية دول العالم فى إستخدامه والعمل به. وبعدها نشأ وأستقر فى مصر مصطلح التنمية الشاملة والذى أدى الى تكامل مكونات البناء الاجتماعى ومفهوم الثقافة.
أما عن عناصر الثقافة المصرية فيعتبر العنصر الاول وهو تراثها التاريخى والحضارى وأنه ليس هو التراث العربى الاسلامى بل أيضا التراث المصرى القديم والقبطى والعربى الاسلامى بالاضافة الى التراث الانسانى لحضارات الشرق والغرب التى كان لمصر بها صلات مثل حضارات الفرس واليونان والرومان فى الغرب وحضارات الصين والهند فى الشرق.
وعن العنصر الثانى وهو المؤثرات المحلية التى تعتبر فى رأي د.حزين عنصرا أساسى فى ثقافة مصر العربية حيث يعتبر أن ضعف الوعى بأهمية الثفافة يعود لضعف تمويل أنشطتها وأجهزتها المختلفة، بعدم توفير خامات ومستلزمات طباعة الكتب والاعتماد الكامل على استيرادها من الخارج وبالتالى ارتفاع اسعار الكتب مما يحد من عدد المقتنيين لها، بالاضافة الى القصور الواضح فى انشاء المكتبات العامة والمتخصصة، كما يعانى المسرح فى قلة عدد قصوره. ويضيف الى ذلك أن نظام التعليم سواء العام أو الجامعى يعتمد على التلقين والكتب المقررة، ولا يسعى لتنمية القدرات العقلية والفنية للطلاب مع عدم التشجيع على القراءة ومصادر البحث وغياب التفكير النقدى. أما عن ضعف التلاميذ حتى الجامعيين منهم من اتقان اللغة العربية نطقا وكتابة فحدث ولا حرج. ويأتى خروج بعض أنماط من البرامج والمسلسلات والافلام فى موضوعاتها وسلوكياتها عن ثقافتنا وتقاليدنا التى تربى عليها المجتمع جزءا مهما من المؤثرات الواضحة على الثقافة المصرية والتى تؤدى الى اغتراب شبابنا. بالاضافة الى تخلخل القيم الاجتماعية والاقتصادية والدينية مما يؤدى الى تهديد مباشر لمكونات البناء الاجتماعى وبالتاى يؤثر على روح الانتماء والمواطنة.
ويأتى العنصر الثالث من عناصر الثقافة المصرية ألا وهو المؤثرات الخارجية التى تعرضت لها وتتعرض لها مصر على مر التاريخ من غزوات. فعلى سبيل المثال عندما اصطحبت الحملة الفرنسية الى مصر عام 1798تلك النخبة من العلماء فى كافة التخصصات والذين قاموا بدراسة لكافة نواحى الحياة والطبيعة فى مصر وصدر عنها الكتاب الهام “وصف مصر” والذى كان له الاثر الكبير فى التعرف على جوانب كثيرة من الحياة الحديثة بعد أن أغلق العثمانين عقول المصريين لقرون، ثم كان الاحتلال الانجليزى عام 1882 مؤثرا خارجيا آخر أيقظ الوعى الوطنى ضد الاحتلال، كما أدى الى اطلاع المصريين على جوانب من الحضارة الغربية، كما كان للمقاومة الثورية للاحتلال الانجليزى أكبر الاثر فى التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التى شهدتها مصر فى عصرها الحديث.
لقد استطاع محمد على أن ينقل مظاهر الحضارة العسكرية والعلمية الغربية الى مصر حيث أعتمد على الاجانب من فرنسيين وايطاليين قاموا بدعم العسكرية المصرية وأنشاوا الصناعات الحربية والمدنية، كما وجه البعثات الى فرنسا لدراسة العلوم والفنون وترجمة أمهات الكتب عن طريق مطبعة بولاق، فكان لعودة المبعوثين المصريين أكبر الآثر فى النهضة التعليمية والثقافية التى شهدتها البلاد. كما كان للمستشرقين والعلماء الاجانب والذين أهتموا بالحضارة المصرية القديمة والتراث العربى الاسلامى أكبر الاثر فى فك طلاسم اللغة الهيروغليفية والكشف عن الكثير من الآثار المصرية القديمة وتعتبر عاملا مهما فى تكوين وتطوير عقلية الباحثين المصريين مما أدى لنشأة المدارس العلمية والادبية المصرية فى العصر الحديث. كما تم الاتصال المباشر مع مراكز العلم والثقافة فى الشرق والغرب عن طريق البعثات الدراسية والمشاركة فى المؤتمرات العلمية الدولية والاستعانة بالاساتذة الاجانب للتدريس بالجامعة المصرية مع توثيق أواصر العلاقة مع المراكز الثقافية الاجنبية فى مصر. ولا يمكن أن نتغافل مؤثر خارجى مهم وهو ذيوع الترجمة عن اللغات الاجنبية للمصادر والدراسات والاعمال الادبية، حيث أنُشأت مدرسة الالسن، وبها تطورت حركة الترجمة وإن افتقدت الى المتابعة القريبة للانتاج الفكرى الاجنبى، وفقدان التواصل بالمؤلفين والناشرين الاجانب، ونقص الوعى بأهمية تلك المعلومات فى تنمية الحياة الثقافية العلمية والذى أرتبط بضعف مستوى اتقان اللغات الاجنبية.
ويخلص هذا الفصل من كتاب د.حزين بعدد من الاراء والمبادىء منها أن مصر أنفردت بميزة أنها تعرضت لمؤثرات خارجية كبيرة من الشرق والغرب والشمال والجنوب كانت مصدر قوة استطاعت أن تتكيف وتتلائم معها ومع ثقافاتها المتنوعة وأثبتت قدرتها على الاستمرار والحيوية والتجدد، أيضا فإنها تلقت تلك الثقافات وصقلتها ومزجتها ومصرتها بينما لفظت بعضها والتى لم تستثيغها، وظلت الصفة الغالبة على الفكر المصرى هى “المصرية”. وكان لثقتنا فى انفسنا وعدم وجود مركبات نقص لدينا أن سعينا أن نأخذ من الغرب ونتلقى منه ما يفيدنا ولم نتأثر بتلك المؤثرات الا بما يفيدنا فى نهضتنا، وستبقى ثقافتنا المصرية العربية رغم كل تلك المؤثرات محتفظة بطابعها الخاص الذى أحتفظ بأصالته وأستمراره على مر العصور.
——————-
استاذ بعلوم القاهرة