راندا الهادي تكتب: ما أشبهَ (باريس) بـ (يريڤان)!!
في الحياة… التشابهُ كالتغيير، صفتان لا تغيبان عن وجه التاريخ على الأرض، فالتغيير سواء نحو الأحسن أو الأسوء _ وهذا يخضع لوجهة نظرك _ لا يتوقف. كيف يتوقف، والإنسان نفسه الكائن الرئيسي على الكرة الأرضية من سماته التغيير؟! أما التشابهُ، فقد جُبِلنا عليه ما دُمنا على قيد الحياة، سواء تشابهُ الظروف أو ردودِ الأفعال والمواقف، ونرى ذلك جليًّا في مقولة (التاريخ يُعيد نفسه)، غيرَ أن السؤالَ هنا: هل السببُ في هذا التشابه هو نظامٌ كونيٌّ لا نُدركه يمتلك ناصيةَ الأمور ويُوجهها، أم أننا لا نتعلم أبدًا مما فات، أم أن ذلك بسبب العقلية البشرية ذات ردود الأفعال المتجانسة مهما مرت السنون والعقود؟!
في رأيي كلها تفسيرات مقبولة، خاصةً إذا ما طبقنا هذه القاعدة على نموذجَي أزمات راهنة مثل: أزمة إقليم كاراباخ، وأزمة فرنسا في النيجر.
ففي عام 1988م وقرب نهاية الحكم السوڤيتي، دخلت القوات الأذربيجانية والانفصاليون الأرمن في حرب دموية بالإقليم الذي يقع داخل أراضي أذربيجان وتسكنه أغلبية أرمينية تحظى بدعم من الحكومة في (يريڤان) عاصمة أرمينيا المجاورة.
ولعل في تقاسم ثقافتين لتسمية الإقليم – حيث ناجورنو باللغة الروسية تعني مرتفعات، وكاراباخ تعني الحديقة السوداء باللغة الآذرية – كانت البذرة الأولى لتقاسم السيطرة على الإقليم، حتى انتهت الصراعات بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار وهدنة عام 1994م بين أذربيجان والانفصاليين الأرمن، وهو نفس الاتفاق الذي فشل في إيجاد الاستقرار للأوضاع بالإقليم، فتجددت الصراعات مرة أخرى، لتربح كفة أذربيجان – هذه المرة – بسبب عجز أرمينيا عن حماية ودعم الانفصاليين كما وعدتهم، وتستقبل على إثرها الحدودُ الأرمينية ما يزيد على ٧٤ ألف لاجئ أرميني من أصل ١٢٠ ألفًا يشكلون الكتلة الأرمينية والأغلبية من سكان الإقليم.
أما فرنسا الدولة رمز الحرية وأيقونة الفن، فقد خسرت وجودها في الغرب الإفريقي بجدارة، بعد إعلان الأسد الجريح (ماكرون) خطته لسحب قواته ووجوده من النيجر، ليتشابه مع الضباع التي قد تتجرأ على عرين الأسد، ولكن فور سماعها الزئير تجري هلعة لجحورها، ولتتغير موازينُ القوى في إفريقيا إلى صالح أهلها، نافضين عنهم عباءة الوصاية الفرنسية.
تشابهٌ في البدايات والنهايات بين كاراباخ والنيجر، بين تراجع باريس و يريڤان عن أحلام السيطرة. هاتان القوتان اللتان كشّرتا عن أنيابهما في البداية، ثم انسحبتا لعدم إدراكهما لتغييرات حدثت على أرض الواقع .. في النهاية، وما بين الأمرين تاريخ يتشكّل، لا نعلم هل سيعيد نفسه مرة أخرى ليُشبه سابقيه، أم يتغير ولو لمرة واحدة؟!