راندا الهادي تكتب: الرجولة … (هي فين)؟!
كثيرًا ما كنتُ أسمع هذه المقولة منذ صغري: (خلّيك راجل)، لعله بسبب نشأتي وسط ثلاثة من الصبية، أو لانتمائي إلى إحدى المحافظات الإقليمية كما يحب أن يسميها أهل القاهرة (البندر)، لكنّ العالق في ذاكرتي حتى الآن دهشتي من تلك الجملة في صغري، أوليس كلُّ رجلٍ رجلًا؟!!
هذا بالضبط التساؤل الذي كان يخطر بعقلي الأخضر قبل أن أُدرك أن ليس كلُّ رجلٍ (أي ذَكَر وفقًا للتصنيف البيولوچي) رجلًا، وأن الرجولةَ خُلُقٌ وليست تصنيفًا، وأن اكتسابها يحتاج غرسًا وموالاة، لا تباهيًا وزهوًا.
عندما ضجت إحدى الأمهات في منشور على الـ (فيس بوك) قائلة: أرجوكم ربُّوا صِبيانكم على الرجولة فقد ضِقنا بأشباه الرجال!! كان صوتُها صدى لمعاناة الكثير من النساء فقدن معنى الاحتواء والأمان والسند مع أزواجهن أو من يُحبِبْن.
كما يحضرني هنا قول الناشطة الأمريكية (جلوريا ستانيم): لقد أصبحنا الرجالَ الذين أردنا أن نتزوجهم!! أتدرون لماذا هي على حق؟! لأنه وفقا لعِلْم النفس، المرأةُ التي غاب عنها زوجُها لموتٍ أو سفر تكتسب تلقائيا سماتِ الطرف الغائب للقيام بمسئولياتها الجديدة تجاه أسرتها وتجاه المجتمع.
وبالقياس على هذه القاعدة النفسية، أدى غيابُ الرجولة مِن الذكور، وهم على قيد الحياة، سواءٌ لخلل في التربية أو غياب القدوة أو حتى انهيار المنظومة القيمية في المجتمع، أدى إلى تغيُّر التركيبة النفسية للسيدات وبالتالي السلوكية، ولا عزاءَ للأنوثة!!
ولتعلمْ أنّ حِفظَ سِرِّ مَن باحت لك بحُبها وأسلمتْ قلبَها لك.. رجولة، أنَّ تحمُّلَ المسؤولية وتبِعَاتها.. رجولة، أنَّ عدمَ رفع يدِك إلا للمساعدة والاحتضان.. إنسانيةٌ ورجولة. ويُرضيني هنا القول إن بيننا سيدات يَحْمِلْنَ مِن سمات الرجولة ما ينوء بحمله عشراتُ الذكور.
ولنقرأ تلك الأبيات:
ليسَ الرجولةُ بالذكورةِ تُعْرَفُ // إنَّ الرجولةَ مبدأٌ أو موقِفُ
هي أن تكونَ مع الشجاعةِ رأفةٌ // لا غِلظةٌ وتظلُّمٌ وتعجْرُفُ
هي رِقَّةُ النَّسَمَاتِ في وجهِ الورى // هي صِدْقُنَا لا زيْفُنَا المُتكَلِّفُ
هي عطفُنا وسماحُنا وعَطاؤنا // هي حِكمةٌ وتراحُمٌ وتعفُّفُ
هي أن تكونَ لنا بأحمدَ أسوةٌ // وعقولُنا لخِصَالِه تتشوَّفُ.