راندا الهادي تكتب: إلى ربات البيوت
هذا البرنامج الإذاعي الشهير الذي نشأنا واستيقظنا على نغمات موسيقاه كل صباح، سأستعير اسمه اليوم لأبعث لكم برسالةٍ ذات فائدة في حياتنا جميعًا كما كان يفعل (إلى ربات البيوت).
فبعيدًا عن المشهد المأساوي منعدم الإنسانية للأحوال المعيشية لأهالينا في غزة، وبعيدًا كذلك عن التخاذل العربي والإسلامي والعجز عن الاتفاق على كروت ضغط تُجبر العدو الصهيوني على وقف مجازره، يتجلى المشهدُ في غزة بمعانٍ أخرى استوقفتني طويلًا.
فالحياة أصبحت صعبةً في غزة، بل فقدت الحياةُ نفسُها الكثيرَ من مقوماتها الأساسية من أمن وماء وغذاء ودواء، لكن هل استسلم هؤلاء البشر؟! هل توقفت الحياة عندهم؟! دعكم من الكبار الذين تمرسوا في السابق على فظائع هذا المحتل، لنذهب للأطفال _ الهدف الإستراتيچي الأول لقوات الاحتلال _ هذه العقول الغضة والقلوب النقية التي جُردت من طفولتها، كيف نراهم يلعبون ويمرحون للحظاتٍ مسروقة من هذا الجحيم؟! كيف نجدهم بهذا الإصرار والثبات على استكمال حُلمهم في العودة للوطن وحُلمهم في مستقبل مشرق؟! مِن أين لهم بهذا الأمل؟!
نعود إلى حالنا وما استوقفني، حيث تذكرتُ عندما تفشل زيجات بسبب ماركة معينة لثلاجة أو تليفزيون، عندما تتفكك علاقات أسرية للاختلاف على بضعة آلاف من الجنيهات، عندما يترك الكبارُ مهمةَ تربية النشء (للتابلت) والمحمول، عندما نراجع تقييمَنا لشريك حياة وفقا لمنصبه ونوع سيارته ودخله، أو نربط الرُّقيَّ والتحضر بـ (ترندات) الأزياء والأحذية، وكأنَّ قيمتَنا كبشر أصبحت في أقدامنا!!
كانت دومًا خالتي تقول لي عندما أُزمجر وأغضب على نعمةٍ ما من نعم الله علينا: (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم)، وقتَها كنتُ أسكتُ احترامًا وليس فهمًا لخالتي، ولكن الآن أدركتُ أهميةَ أن نحسن ضيافةَ النعم ونقدرَها ما دامت في أيدينا، ونتعامل بما هو متاح إن غاب بعضُها عنا، ولا نَكْفُرُ العشيرَ وفضلَ الله علينا.
أتعلمون ما يجب أن نقف عنده أيضا؟ هذا الانقياد وراء كل ما هو آتٍ من الخارج، عُقدة الخواجة والتي ببساطة انفرجت، عندما آمَنَّا بهدفٍ وقضية، ولم نجد أمامنا وسيلةَ دعمٍ غيرها، لقد شاهدتُ مثلَكم دعواتٍ كثيرةً للمقاطعة فيما سبق، لكني لم أشهد مثل هذا الإصرار والتفاني في مقاطعة الداعمين للكيان الصهيوني، لنؤكد ما قاله أبو القاسم الشابّي:
إذا الشعبُ يومًا أراد الحياة // فلا بُدَّ أنْ يَستجيبَ القَدَر
ولا بُدَّ لِلَّيلِ أنْ يَنجلي // ولا بُدَّ للقَيْدِ أنْ يَنْكَسِر.