د. أماني فاروق تكتب: تدريب المواطنين على استخدام الذكاء الاصطناعي ضرورة مُلحّة
توقفتُ طويلاً أمام التصريحات المهمة التي أدلى بها سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، حول مستقبل الذكاء الاصطناعي. كانت كلماته بمثابة نافذة نطلّ منها على عالم جديد، مليء بالفرص، ولكنه في الوقت نفسه يتطلب استعداداً خاصاً.
ألتمان تحدث عن طفرة متوقعة في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025، وهي طفرة قد تُغيّر شكل حياتنا تماماً، وتجعلنا نعيد التفكير في كل ما نعرفه عن التكنولوجيا والعمل والحياة اليومية.
تصوروا معي، عالمًا يعمل فيه الذكاء الاصطناعي بشكل أكثر استقلالية وكفاءة. تقنية “الوكلاء المستقلين” التي ذكرها ألتمان، على سبيل المثال، ستُمكّن هذه الأنظمة من تنفيذ المهام واتخاذ القرارات نيابة عنا. هذا قد يبدو رائعاً، ولكنه يضع على عاتقنا مسؤولية كبيرة: كيف نتعامل مع هذه التقنية؟ وكيف نضمن أن يستخدمها الجميع بشكل صحيح وآمن؟
ومن خلال عملى كمديرة لأحد أهم مراكز التدريب في مصر، وهو مركز التدريب والتطوير بمدينة الإنتاج الإعلامي، أرى يومياً كيف أن الشغف بتعلم الذكاء الاصطناعي أصبح جزءاً من حياة الكثيرين. المتدربون الذين يقصدوننا لا يأتون فقط من كليات الإعلام، بل هناك مهتمون من مختلف الأعمار والخلفيات .. هناك طالب يريد أن يطوّر مشروعاً تكنولوجياً، وهناك موظف يرغب في تحسين أدائه في العمل، وهناك حتى المتقاعدين الذين يبحثون عن طرق جديدة للبقاء على اتصال بالعالم الحديث.
لكنني أيضاً أدرك أن هناك حاجة ملحة تتجاوز ما يمكن أن يقدمه أي مركز تدريب واحد ، فنحن نحتاج إلى مبادرة قومية تستهدف فى المقام الأول تدريب المواطنين وتأهيلهم على استخدام الذكاء الاصطناعي بوعي ومسؤولية. هذه التقنيات ليست مجرد أدوات؛ هي قوة بإمكانها إحداث تأثير كبير، إيجابي أو سلبي، حسب طريقة استخدامها.
واللافت للنظر أن الدولة بالفعل بدأت في هذا الاتجاه. فعلى سبيل المثال الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي،، هي خطوة جادة في وضع مصر على خارطة التقدم التكنولوجي ، كما أن بنك المعرفة المصري أصبح منصة رائعة تدعم التعليم والبحث العلمي في هذا المجال ، ومع ذلك، ما زلنا بحاجة إلى مبادرات تُركز على المواطن البسيط، الشخص الذي لا يملك خلفية تقنية ولكنّه يريد أن يفهم كيف تؤثر هذه التكنولوجيا على حياته وكيف يمكنه استخدامها.
نحن بحاجة إلى حملات توعية تستهدف الجميع، بدءاً من طلاب المدارس وحتى كبار السن ، كما نحتاج إلى ورش عمل تُعلم الناس كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية، سواء لتحسين إنتاجيتهم في العمل أو حتى لحل مشكلات بسيطة في منازلهم.
أحياناً أشعر أن الحديث عن الذكاء الاصطناعي يأخذ منحىً نخبوياً، وكأن هذه التكنولوجيا بعيدة عن الناس العاديين. الحقيقة عكس ذلك تماماً. الذكاء الاصطناعي قريب منّا جميعاً. هو في التليفون الذي نحمله، وفي التطبيقات التي نستخدمها، وفي التوصيات التي نراها أثناء تصفح الإنترنت ، وبالبع فإن هذا القرب يجعل من الضروري أن نفهمه أكثر، لا أن نخاف منه ونبتعد عنه ونتعامل معه وكأنه رجس من عمل الشيطان.
كما أود أن أشير إلى نقطة مهمة وهى ان استخدام الذكاء الاصطناعي ليس مجرد مهارة تقنية؛ هو مهارة حياتية. فمثلما تعلمنا القراءة والكتابة منذ الصغر، أصبح علينا اليوم أن نتعلم كيف نتفاعل مع هذه التكنولوجيا الجديدة. لذلك، أناشد جميع المؤسسات، سواء كانت حكومية أو خاصة، أن تنضم إلى هذه الجهود. نحتاج إلى شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص لتحقيق هذا الهدف.
الذكاء الاصطناعي ليس المستقبل فقط؛ هو الحاضر. وكلما استثمرنا في تدريب وتأهيل الناس الآن، كلما ضمنا أن نكون جاهزين للتغيرات القادمة. فدعونا لا ننتظر حتى تأتي هذه الطفرة ونجد أنفسنا غير مستعدين. التدريب والتأهيل هو المفتاح، وعلينا جميعاً أن نحمله لنفتح أبواب هذا العالم الجديد بأمان وثقة.
——-
مدير مركز التدريب والتطوير – مدينة الإنتاج الإعلامي