مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: ضحكني شكرًا !!

سخريةُ المصريين من أحوالهم تُساعدهم دومًا على تحمُّلِ الظروف الصعبة، وهو أمرٌ معروف على مَرِّ العصور، السخرية التي تبعث الهدوءَ في النفوس، فلا ينفك المصريون يَسخرون من المسؤولين بل ومِن أنفسهم وأقرانهم، ويبعثون برسائلَ عبر النكات، من ذلك أن أزمةً حدثت في (الأرز) بعهد الرئيس “جمال عبد الناصر” فشَحَّ وجودُه وزاد سِعرُه، فقالت النكتة: (إن رجلًا ركِبَ قطارَ القاهرة الإسكندرية، فسأله الكُمسري عن وجهته، فقال: الإسكندرية، سأل الكُمسري: لماذا؟ رد الرجل: لأشتري أرزًا، ولما وصل القطارُ محطة طنطا، جاء الكُمسري للراكب، وقال له: انزل هنا، فكان رده: لكنني متجه إلى الإسكندرية!! قال الكمسري: ألن تشتري أرزًا؟! قال الراكب: بلى، ردّ الكُمسري: (ما هو الطابور بيبدأ من هنا من طنطا)!! ويقال إن النكتة وصلت للرئيس “جمال عبد الناصر” الذي تدخلَ على الفور وحُلَّت الأزمة!!

الكاتب الكبير والاقتصادي “جلال أمين” ( 1935م _ 2018م ) صاحب كتابي (ماذا حدث للمصريين؟) و (مصر والمصريون في عهد مبارك) وغيرهما، كتب في مقال له بعنوان “سلاح المصريين البتار”: “المصري يَحزن بلا شك للحادث المحزن، ويَفهمُ الجانبَ المؤسفَ كلَّ الفَهم، ولكنه لا يستطيع أن يَمنعَ نفسَه من رؤيةِ الجانب المضحك أيضًا، لذلك هو يُطلق النكات حتى في أشدِّ المواقف مأساوية، بما في ذلك ما جرى من موجاتِ سخرية وإطلاق نكات في أعقاب هزيمة يونيو 1967م “. وأشار “أمين” إلى أن “الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، عندما زادت سخريةُ الناس مما حدثَ في الخامس من يونيو، وانطلقوا يُؤلفون النكت الحادة ويتداولونها بلا حدود، عبَّر عن غضبه بصراحة في إحدى خُطبه، وطالبهم بالكَفِّ عن التنكيت”، وأضاف “أمين” أن ذلك التنكيت ربما دفعَ الحكومة آنذاك إلى “توفير السلع الاستهلاكية في الجمعيات التعاونية في أعقاب الهزيمة، حتى لا تُضافَ أسبابٌ اقتصادية للشكوى السياسية”.

ظهور الـ (سوشيال ميديا)، جعل السخريةَ السياسيةَ أوسعَ انتشارًا، ولكنها كالنكتة القديمة تظل مجهولةَ المؤلف، فيقول أحدُهم: (الشياطين ثلاثة أنواع: نوع يخاف من آية الكرسي، ونوع يخاف من فقدان الكرسي، ونوع يصفق للجالسين على الكرسي)!! ويتندر آخر قائلًا: (المستشفى الوحيد اللي معملش إعلان تبرعات مستشفى المجانين مع إن المستقبل كله هناك)!! ورغم الظروف الصعبة التي تمر بها مصر إلا أنها لا تتوقف عن مدِّ يَدِ العون لأشقائها في أزماتهم، ولا يتوقف المصريون عن التندر رغم أنهم يُحَيُّون هذا الجهد، فيقولون: (مصر وهي بتساعد الدول التانية بتفكرني بالراجل الحنين مع كل الستات إلا مراته)!! ويتندر المصريون من أحوالهم: (معقول نكون جايين الدنيا ندفع أقساط وجمعيات وفواتير ومصاريف وديون وبعدين نموت)!! ويظل المزاح يحمل أغراضًا متعددة، ظاهرةً وباطنة، متجاوزًا المعنى الحرفيَّ للكلمات فيجمع بين المتعة وقوة الإقناع، ويظل الشعب (ابن نكتة) مهما كانت قسوةُ الظروف والمعيشة!!

زر الذهاب إلى الأعلى