حازم البهواشي يكتب: حين تطاردك الكلمة!!
في بدايةِ تلمُّسِك طريقَ القراءة، من الطبيعي أن تقابلَك كلماتٌ كثيرة لا تعرِف معناها، هذا أمرٌ بَدَهِيّ؛ فلستَ أنت الفتى المُعجميّ المَجمعيّ!! وحينئذٍ تحاول أن تُخمن المعنى من سياق الكلام. ومِن طريفِ ما حدثَ معي أنَّ جملة (سَبَرَ غَوْرَهُ) كانت تُطاردني من كتابٍ لكتاب بصورةٍ متتالية، حتى شعرتُ أن هناك مؤامرةً عليَّ لإجباري على البحث عن معناها!! لقد تآمرتْ عليَّ الحروفُ والأوراق، وأقسمتِ الكتبُ التي أمُدُّ يدي لأتناولها من مكتبة منزلنا أنها حتمًا ستجعلني أعرف معنى جملة (سَبَرَ غَوْرَهُ) رغمًا عن أنفي!! والمعنى المقصود هو (أن تتبينَ حقيقةَ الشخص وسِرَّه، أن تعلمَ ما بداخلِه)؛ فـ (سَبْرُ الغَوْر) هو في الأساس قياسُ عُمق المياه، واستُعيرت كنايةً عن التعرف على ما في أعماق الأشخاص!!
وفي الآونة الأخيرة ومع الجيل الجديد تطاردني كلمة (حرفيًّا) التي تستخدمها ابنتي الكبرى ورفيقاتُها، ومَن هُن في عُمرِها بالنادي ومترو الأنفاق، فلا يمر كلامُهم دون استخدام هذه الكلمة… (حرفيًّا أنا زهقت من قعدة البيت !! _ حرفيًّا الكتاب ده مُمِل !! _ حرفيًّا الامتحانات جاية صعبة!! ….. إلخ )!! وإمعانًا في المطاردة، إذا بكلمة (حرفيًّا) تواجهني في كتاب أقرأه هذه الأيام بعنوان (تنمية الكعكة … كيف تقدم الشركاتُ العظيمة قيمةً وربحًا؟) فإذا بالصفحات التي أطالعها إبان كتابة هذا المقال بها عبارة “فهو مالكٌ استثمر _ حرفيًّا _ في نجاحه المستقبلي”!!
ولعل الحديثَ عن الكلمة التي تطاردنا، يأخذنا أيضًا لنتحدث عن اللزَمَات التي تكون لدى البعض منا في كلامه، فننتبه _ نحن المستمعين _ لها أكثر مما ينتبه لها قائلها، حتى يُلفَتَ نظرُه إليها غيرَ مرة!! فهذه فتاةٌ في مقتبل عمرها كلما تحدثتْ قالت لك بين كل جملة وأخرى: (وكده يعني)!! وهذا رجل لا ينفك بين عباراته يذكر جملة (أنت فاهم)!! هو لا يقصد التشكيكَ في ذكائك، أو التقليلَ منه، لكنها لَزْمَة، تراها أنت (ما لهاش لازمة)، لكنّ صاحبَها لا يُمكن أن يتخلصَ منها بسهولة، فهي تُلازمُه منذ سنوات!! أما فلان فيَذكر دائمًا بين عباراته جملة (أنت معاية)!! والآخر يقول لك في ثنايا حديثه أكثر من مرة (سامعني)!! وهو ما يدفعك أحيانًا بروح الدعابة للرد عليه مثلًا: ( لأ، أنا اِنطرشت )!! وهناك من تراه يذكر دومًا كلمة (المهم)، فهل ما سبق لم يكن مهمًّا؟!
اللزْمَة تُسبب مأزِقًا لمن يتعامل مع الجمهور مثل المُدرس والإعلامي ومسؤول التسويق، تطاردك (الكلمةُ اللزْمَة) حتى تَشعرَ بالملل والزهق منها ومن صاحبها!! لذلك ينصح الخبراءُ صاحبَ اللزمة أن يُسجلَ لنفسه أثناء حديثه في التليفون، ويُعيدَ سماعَ التسجيل مع ملاحظةِ عدد مرات تَكراره كلماتٍ بعينها، وينتبه لها في المرات القادمة، وسيُلاحظ أنها تَقِلُّ كل مرة عن سابقتها.
يَذكر شابٌّ أنه استمع لأحد المحاضرين الذين كانوا يُكثرون من قول ( آ آ آ آ آ ) ولما شعر بالملل، أقسمَ أن يجمعَ تلك الـ ( آ آ ) عن طريق الكمبيوتر، ففوجئ أنها استغرقتْ (15) دقيقة، طاردته فيها اللزمة حتى ضايقته!! بعض التلاميذ يقومون بالاستغراق في عَدِّ لزَمات مدرسيهم التي تُشتِّتُ انتباههم عن الدرس، ويَذكر تلميذ أن مُدرسَه ذكرَ في الحصة كلمة (اللي هو) 47 مرة، و (اللي هي) 35 مرة، ومن هنا نعلم أن (اللي هو) كسب (اللي هي)!!!
(أساسًا _ ما علينا _ واخد بالك _ فهمت قصدي _ لا مؤاخذة)!! هذه لزَماتٌ شهيرة، تُحْرِجُ صاحبَ اللزمة وتُحدثُ له أزمة إن جاء التعليقُ عليها بصورةٍ فجَّة أو مِن غير مُحب، فكن لطيفًا؛ فـ (الأزمة مالهاش لزمة)، ودعِ الكلماتِ تطاردك حتى (تَسْبِرَ غَوْرَهَا)!!