مقال كلام مفيدمقالات الرأى

أشرف مفيد يكتب: “النصف” المشوه و”الدنيا” التى اختفت !!

منذ أكثر من ربع قرن وبينما كنت نائباً لرئيس قسم الصفحة الأخيرة كنت وقتها أشعر بأن “الأهرام” بالفعل هو بيتى الذى اقضى فيه ٧٠٪؜ من الوقت .. بل وصل الأمر فى كثير من الأوقات المبيت داخل المؤسسة مع احلى صحبة من الأصدقاء وعشرة العمر ورفاق الأيام الحلوة والزمن الجميل.
و ذات يوم فى تلك الفترة التى اتحدث عنها تفتق ذهن أحد الزملاء وشرع فى تغيير شكل الصفحة الأخيرة بحجة التطوير وكأن من دواعى هذا التطوير القيام بهدم الثوابت وإهالة التراب فوق كل شئ قديم .. وفجأة اقترب من اسم الصفحة الأخيرة وهو ” من غير عنوان ” تلك الجملة المكتوبة بخط يد الراحل العظيم كمال الملاخ مؤسس هذه الصفحة لتصبح أول صفحة أخيرة عرفتها الصحافة المصرية وبعدها قلده الجميع وساروا على نهجه من حيث كتابة الخبر الخفيف أو نشر الصورة الطريفة والجملة القصيرة والاسلوب البسيط فقد كانت الصفحة الأخيرة فى ذاك الوقت بمثابة جريدة داخل الجريدة حيث كان قراء الاهرام يقرأون الصحيفة العريقة من الصفحة الاخيرة .
المهم حينما اقترب هذا الزميل من هذا الإسم وقام بكتابته بحرف “مودرن” من حروف الكمبيوتر .. شعرت بغيرة شديدة على الصفحة التى انتمى اليها وأحسست بأن هناك اعتداء على قدسية “البراند” فتوجهت على الفور الى الراحل العظيم الاستاذ سامى متولى مدير عام التحرير. آنذاك وإحقاقاً للحق كان وقتها مديراً للتحرير بالمعنى الحقيقي لهذا اللقب الذى اصبح فيما بعد مستباحا لكل من هب ودب باستثناء بعض الأسماء المهنية التى تستحق بالفعل أن يقترن اسمهم بهذا اللقب ، فهو لقب لو تعلمون عظيم.
وما ان ذهبت الى الاستاذ سامى متولى شاكياً هذا الاعتداء على حرمة “البراند” حتى فوجئت به يثور وكأنه بركان فيزوف الشهير ، وغضب غضباً شديداً واستدعى الزميل الذى ارتكب هذه “المصيبة” على حد تعبير الاستاذ سامى واعطاه أمامى درساً فى التقاليد والاعراف التى تربى عليها كل من ينتمون لهذا الكيان العريق المسمى بالأهرام وقال بالحرف الواحد إن الاقتراب من اللوجو بهذه الطريقة اعتداء غير مقبول على “براند” اصبح جزءً اصيلاً من تاريخ الاهرام .
تذكرت هذه الحكاية أمس حينما وقعت عينى بالصدفة على مجلة نصف الدنيا .. فقد فوجئت بمجلة غير تلك التى عرفناها وعشنا لحظات تأسيسها على يد الكاتبة العظيمة التى لن تتكرر الأستاذة سناء البيسى مؤسس وأول رئيس لتحرير المجلة. فقد فوجئت بعملية تجريف لـ “البراند” الذى يحمل بداخله الهوية البصرية للمجلة .. شعار التفاحة اصبح بقدرة قادر باللون الازرق واختفى اللون الاحمر الذى كان يخطف العين ولأن كلمة نصف كانت جزءاً من هذه التفاحة فقد تغيرت هى الاخرى وتم تشويهها لفونت غريب وعجيب ومريب .. أما كلمة “الدنيا” فحدث ولا حرج فقد اختفت تماماً فى ظروف غامضة وتم استبدالها بكلمة مكتوبة بطريقة الفرانكو آراب وهى ” eldonia” .. سألت الزميل الذى كان يمسك المجلة فى يده : هل هذه هى مجلة نصف الدنيا التى هى جزء من تاريخ الاهرام وريادته أكد لى أنها هى بعينها وشحمها ولحمها ، ولكنها فى ثوبها الجديد بعد التطوير .
لحظتها قرأت الفاتحة بينى وبين نفسى .. قرأت الفاتحة على أشياء كثيرة .. على المهنة و على العراقة والتقاليد والأصول التى تربينا عليها داخل هذا الصرح العريق الذى يبدو – والله أعلم – أن أحداً لايريد له أن يظل عريقاً فأدخله فى النفق المظلم تحت دعوى التطوير .
واللهم إنى صائم ..
للعلم الصيام هو الذى منعنى من كتابة أشياء كثيرة قد تتعارض مع روحانيات الشهر الكريم .
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى