مقالات الرأى

محمد محمود عيسى يكتب: انقطاع الكهرباء والقضية الفلسطينية

0:00

لا يمكن أن ينكر أحد مدى الجهود الضخمة والكبيرة التي تبذلها وتقدمها مصر لخدمة القضية الفلسطينية وخاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر وتنوعت تلك الجهود ما بين جهود وتحركات دبلوماسية وسياسية على مختلف الأصعدة العربية والأوربية والعالمية أو على مستوى المساعدات التي قدمتها مصر ولا زالت تقدمها حتى اليوم وفي المقابل كان التعنت الإسرائيلي الواضح تجاه كل الحلول التي تقدمها مصر أو حتى تقدمها الأطراف الدولية وشاهدنا الجولات الكثيرة من المفاوضات التي ترعاها مصر وتحاول من خلالها أن تقدم الحلول المناسبة لأنهاء هذا الصراع المستمر والقاسي في غزة والذي راح نتيجته عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال وكان من اللافت للنظر خلال الفترات الأخيرة مدى الاستفزازات التي تقوم بها إسرائيل تجاه مصر وأخرها احتلال الجزء الفلسطيني من معبر رفح وانتهاء بالتقارير الكاذبة التي نشرتها محطة سي ان ان الإخبارية الأمريكية .

وبداية دعونا نتفق على جزئية هامة وأساسية في هذا الصراع وهو ضمانة وقوة الجيش المصري وتمكنه من أدواته وسيطرته القوية والحاسمة على زمام الأمور وامتلاكه لعناصر القوة الرادعة والغاشمة متى تطلب الأمر ذلك والدفاع بكل قوة وحسم عن متطلبات الأمن القومي المصري وهذه قاعدة أساسية لا تقبل النقاش بل هي عنصر الردع والقوة في معادلة الصراع الذي يدور في المنطقة حاليا وبكل صراحة ووضوح لولا هذه المعادلة التي يمتلكها الجيش المصري لأصبحت الأمور والترتيبات لها شأن آخر ولكن دعونا نطرح سؤالا وبكل صراحة ووضوح ماذا لو امتلكت مصر مع عناصر القوة المسلحة والردع عناصر الاقتصاد القوى المنتج المكتفي ذاتيا والغير محتاج لعوامل الدعم الخارجي من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أو حتى غير محتاج لعناصر الدعم والمساعدة القريبة والشقيقة .

ألا تمثل الأزمة الاقتصادية نقطة ضعف في الصراع الذي تواجهه مصر مع إسرائيل وأمريكا وأوربا

وكيف تجلس الحكومة على مائدة التفاوض وعلى ظهرها أعباء اقتصادية هائلة لم تتخلص منها بعد بل وتعجز أن تقدم لها الحلول المستقبلية الحاسمة

كيف تصيغ الدولة مواقفها السياسية تجاه الأزمات الخارجية وهي في حالة تفاوض مع صندوق النقد والبنك الدولي من أجل حزمة مساعدات مالية قد لا تتجاوز 300 مليون دولار من جملة القروض

كيف تتفاوض الدولة مع أطراف خارجية في صراع صعب وقاسي وعنيف والحكومة عاجزة عن تدبير موارد مالية لحل مشكلة انقطاع الكهرباء في مصر هل تفاوض الدولة الأطراف الخارجية وتحاول أن تفرض عليهم حلول جذرية وقوية لحل مشكلة غزة والحكومة عاجزة عن تدابير موارد مالية لحل مشكلة الكهرباء أو توفير بدائل لاستمرارية انقطاع الكهرباء في مناطق الجمهورية

لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الاقتصاد عن السياسة بل الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة وبقدر ما تمتلك من نظام اقتصادي قوي ينعكس على كل موارد الدولة وحكومة قوية نشطة وفعالة بقدر ما تستطيع أن تفاوض الجميع بكل قوة وتجلس على مائدة المفاوضات وأنت تستند على قوة اقتصادك ومواردك المالية الهائلة واستقرارك المالي الكبير واستنادا على قاعدة ارتباط السياسة والاقتصاد كيف تفاوض على مواقف سياسية وأنت في نفس الوقت تتفاوض مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على مراجعات لبرنامجك الاقتصادي حتى يوافقوا على منحك دفعة جديدة من القروض المتفق عليها هل يمكن فك الارتباط بين بعثات صندوق النقد الدولي وبين المواقف السياسية الدولية

 هل هذه المؤسسات المالية العالمية نزيهة شريفة وبعيدة عن مؤثرات السياسة العالمية أو حتى استخدامها كوسائل ضغط على الدول عند الموقف السياسية هذه مؤسسات مالية عالمية مرتبطة بالمخططات السياسية العالمية ولا تنفصل عنها وتكاد تكون نفس المؤثرات السياسية العالمية هي بنفسها نفس المؤثرات الاقتصادية في صندوق النقد والبنك الدولي

موقف اقتصادي ضعيف مقابل مواقف سياسية كبيرة وضخمة وضاغطة في المنطقة أعود وأكرر تتعامل الدولة المصرية الآن مع الأزمة الحالية في المنطقة بحكمة كبيرة وتمتلك من الأدوات ما يمكنها من الدفاع عن أمنها القومي وحماية مصالحها ولكن السؤال مرة أخرى ماذا لو كان بجانب ذلك اقتصاد دولة منتج تنموي قوي وفوائض مالية كبيرة واستقرار في الأسواق ماذا لو امتلكت قوة اقتصادية ضخمة وجبارة كنت ستمتلك بعدا اقتصاديا هائلا يزيد من ثقل الدولة في المفاوضات والتعامل مع الأطراف الأخرى

وما وصلنا إليه الآن من هذه الحالة الاقتصادية الضعيفة التي انعكست على كل مواقف الدولة داخليا وخارجيا هي نتائج لمقدمات حكومة فشلت على مدى وجودها في إدارة البلاد أن توجد أو تؤسس لنظام اقتصادي متنوع ومنتج يقوم على العمل والإنتاج بدلا من أن يقوم على الاستدانة والقروض وفرض المزيد من الضرائب على المواطنين وأخر منظومة العجز عن توفير موارد مالية هي برنامج الطروحات وهو المسمى الحديث للخصخصة

روسيا في حربها مع أوكرانيا وهي تحت العقوبات الاقتصادية الأوربية والأمريكية نجحت في إدارة اقتصادها بمهارة فائقة وتجنبت كافة الأزمات الاقتصادية التي من الممكن أن تتعرض لها بل حققت فوائض ونجاحات مالية كبيرة في الكثير من القطاعات الاقتصادية في روسيا وقوة ونجاح الاقتصاد الروسي جعلها تدير حربها مع أوكرانيا بنجاح كبير بل ومكنها من فرض إرادتها وقرارها السياسي على الأعداء

زر الذهاب إلى الأعلى