مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: المكسور لا يحتاج لإصلاح!!

0:00

لم أفهمْ يومًا سببًا لتمسُّكِ جَدتي بقلادتها المكسورة، وعدمِ قدرتها على تركها واقتناءِ واحدةٍ جديدة، ولديها البدائل! ولم أستوعبْ كذلك ارتباطَ والدتي بأدواتِ طهيِها القديمة رغم احتواء مطبخها على الأحدث والأفضل، وغضبَها المُلفت إذا ما حاول أحدُنا التلميحَ أو التصريحَ بضرورة التخلي عن تلك الأدوات! حتى أدركتُ السببَ دفعة واحدة، عندما ظللتُ مُحتفظةً بمسبحةٍ أهدتْها لي صديقةُ عُمري مِن سنواتٍ طوال، رغم انكسار بعض حباتها، ووجودِ البديل عنها لديّ، حينها فقط تعلمتُ أمرَين، الأمر الأول: أن المكسورَ أجملُ بكثير من الجديد؛ فحالتُه هذه تدل على رحلةٍ طويلةٍ مع الأيام، وخبراتٍ ومواقفَ تركت خدوشَها وشروخَها العميقةَ أحيانًا على سطحه، ومن هنا كان (الأنتيك) أو الشيء القديم أغلى سعرًا وقيمةً، استمدها من هذا الجمال الحزين الذي يعكسه، وكذلك هم البشر .

مَن كُسِرَ قلبُه واعتصرتْهُ الأزماتُ والأحزان، يَحمل دومًا بداخله هدوءًا أنيقًا، وتزخر دومًا كلماتُه بالدرر من الحِكم، وتمتلئ عند جلوسِك برفقته بالسكينةِ والطمأنينةِ المنبعثةِ من رحيق خبراتِه الحياتية، المكسورُ مِن البشر أدركَ مَواطِنَ قوتِه وضعفِه واحتاطَ لقلبِه، فقد زالت عنه غشاوةُ انبهار المُبتدئين واندفاعُهم غير المحسوب، فلا تحزن عليه، بل تعلّمْ منه كيف تستقبل الحياةَ وتعيشُها كما يجب.

الأمر الثاني والمتعلق بارتباطِنا بالمكسور والقديم من أشيائنا: هو أننا نجدها القشةَ الوحيدة التي تُنقذنا مِن بشاعةِ الحاضر ومَرارةِ فراق الأحبة، فهي المَرْكِبُ الذي يَحملنا إلى أيامٍ مضت، ارتوينا فيها من السعادة ودفءِ القلوب، وهي كذلك السلوى عن عجزنا أمام العودة إلى الوراء والتمتع بتلك الأيام كما نتمنى.

المكسورُ نجدُ بين شروخِه وخربشاتِه وقِطَعِه المفقودة بَلْسَمًا للرُّوح وحضنًا دافِئًا نَغيب فيه للحظاتٍ تكفينا لإكمالِ ما تبقى من العُمر في سلام.

زر الذهاب إلى الأعلى