حازم البهواشي يكتب: اليهود في مصر
جاء نبيُّ الله يعقوب _ عليه السلام _ إلى مصر مع أهله في القرن التاسع عشر قبل الميلاد إثر ما أصاب أرضَ كنعان / فلسطين من جدبٍ وقحط، وفي سفر التكوين أن عددَهم كان (66) بخلاف نسوة أولاد سيدنا يعقوب.
وفي مصر حيث أكرم سيدُنا يوسف _ عليه السلام _ مثواهم، أسكنهم أرض جاسان أو جوشن المعروفة الآن بوادي الطميلات وهو الوادي الزراعي الذى يمتد من شرق الزقازيق إلى غرب الإسماعيلية، ويقال إن مكانها الآن بلدة (صفط الحنة) بمحافظة الشرقية، وفي هذا التوقيت كان حكام مصر هم الهكسوس (استمر حكمهم بين عامي 2098 و 1587 ق.م) وقد نعموا بحياةٍ آمنة مستقرة وطابت لهم الإقامة.
لما تمكن (أحمس) من طرد الهكسوس في القرن السادس عشر قبل الميلاد تبدلت حالُ بني إسرائيل فنزلتْ بهم النكبات والعقوبات؛ ذلك أن المصريين فيما مضى شاهدوا منهم عُزلةً وغرورًا واستلابًا لأموالهم بطرقٍ خبيثة وتواطأً مع الهكسوس ضد أبناء الأمة الأصليين ومحاولاتٍ لقلب نظام الحكم القائم كما يذكر الإمامُ الأكبر الراحل “د. محمد سيد طنطاوي” (28 أكتوبر 1928م _ 10 مارس 2010م) في كتابه (بنو إسرائيل في القرآن والسنة).
وفي كتابه (في موكب الشمس) يقول الدكتور “أحمد بدوي سيد أحمد” ( 3 أبريل 1905م _ 2 مارس 1980م ) عن بني إسرائيل: (وتطيب لهم الإقامةُ في مصر، وتستقيم لهم فيها أمورُ الحياة ثم تَنزِلُ بالمصريين بعضُ الشدائد وتحِلُّ بديارهم بعضُ المِحَن والنوائب فيتنكر لهم بنو إسرائيل ويتربصون بهم الدوائر. ويعملون على إفقارهم، وإضعافِ الروح المعنوية بين طبقات الشعب، ابتغاءَ السيطرة على وسائل العيش في هذا القطر، ليفرضوا عليه سلطانهم، تارة عن طريق الضغط الاقتصادي، وأخرى عن طريق الدين والعقيدة).
وخلال فترة المصائب والبلايا التي كانت تنزل ببني إسرائيل من فرعون وجنده الذين ساموهم سوءَ العذاب، منَّ الله عليهم ليُنقذهم مما هم فيه فأرسل إليهم سيدَنا (موسى) _ عليه السلام _ وهو مِن نسل (لاوي) بن سيدنا يعقوب _ عليه السلام _ وولادتُه كانت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، لكن بني إسرائيل تعاملوا معه بجفاء وغلظة، وقالوا له إنهم لم ينتفعوا من نبوته بشيء” قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ” ( الأعراف _ 129 ) أتشكرون أم تكفرون؟ أتفسدون أم تصلحون؟
ويرى بعضُ المؤرخين أن بني إسرائيل خرجوا من مصر مع سيدنا (موسى) _ عليه السلام _ في عهد (منفتاح بن رمسيس الثاني) حوالي سنة ١٢١٣ ق.م، وتُشتهر بيننا قصةُ سلب رجال ونساء بني إسرائيل أمتعة َجيرانهم الذهبية والفضية بحِيلةِ الاستعارة، ما يدل _ كما يقول أحدُ المؤرخين _ على ما كان وظلَّ يتحكم في نفوس بني إسرائيل من فكرةِ استحلال أموال الغير وسلبِها بأية وسيلة، ولو لم تكن حالةَ حربٍ ودفاعٍ عن النفس!! كما أن هذا الخُلُقَ العجيب رسخ في ذراريهم!!
لحِقَ فرعونُ وجُنودُه بموسى وقومه، وكان ما نعرفه من انفلاق البحر فعبر بنو إسرائيل (ويقال إن العبور كان عن طريق جنوب سيناء) وغرِق فرعون وجنوده أمام أعينهم، يقول سبحانه في القرآن الكريم “وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ(65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ(66) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ(67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ( 68 )” (سورة الشعراء).
في مصر بدأوا أُسرةً صغيرة حتى صاروا قبيلةً كبيرة، وبعد الخروج تألفوا شعبًا واحدًا وأمةً واحدة لها حاكمٌ وجيش، لكنهم لم يُقدروا نعمةَ الحرية ولم يشكروا الله، وقالوا لموسى وهارون: (ليتنا متنا في مصر)!! ثم طلبوا من سيدنا (موسى) _ الذي ضاق بهم ذرعًا _ أن يجعل لهم أصنامًا يعبدونها!! وعبدوا العِجْلَ فترةَ غياب سيدنا (موسى) أربعين ليلةً في الطور لتلقي التوراة من ربِّ العالمين!!
لم يدخل نبيُّ الله (موسى) أرض فلسطين، وفي التوراة في (سِفر العدد _ إصحاح 12) أن نبي الله (موسى) مات عن عمر ناهز 120 عامًا ودُفن بسفح جبل نيبو (أحد جبال الأردن)، وهو مطل على البحر الميت، ومات نبي الله (هارون) في تلك الفترة ودُفِن بجبل هور (يقع في الطرف الجنوبي للبحر الميت قرب خليج العقبة)، ولم يدخل بنو إسرائيل الأرضَ المقدسة إلا في عهد نبي الله (يوشع بن نون) الذي حُبِست له الشمسُ لياليَ سارَ إلى بيت المقدس، وهو فتى موسى في سورة الكهف، عاش بعده سبعًا وعشرين سنة، وهو مِن نسل سيدنا (يوسف) وكانت مدةُ حياته مائةً وسبعًا وعشرين سنة.