إميل أمين يكتب : ميري كريسماس يا مصريين
كل عام وجميعكم بألف خير، أنه زمن الكريسماس، أي زمن ميلاد السيد المسيح، وقد جري العرف أن تكون الفترة التى تسبق الخامس والعشرين من ديسمبر من كل عام، مناسبة للبهجة والاحتفال حول النصف الغربي من الكرة الأرضية بنوع خاص، غير أن علامات استفهام عريضة ترتسم في الأفق حول هذه المناسبة التي يتداخل فيها الاجتماعي مع الثقافي، الأسطوري مع الحقيقي، المثال مع الرمز، إلي الدرجة التى تضيع معها المعاني والمباني الروحانية الحقيقية للميلاد المجرد من ثقافة الاستهلاك ، تلك التى أججت نيرانها رأسمالية الأسواق حول العالم.
في هذه القراءة نحاول تقديم عصف ذهني حول ظاهرة الكريسماس عبر التاريخ وحتي الساعة، وإن باختصار غير مخل وفي ذات الوقت بدون تطويل ممل.
كلمة كريسماس هي عبارة عن لفظ مزدوج مكون من مقطعين فأولا Christ وتعني المسيح ومأخوذة من اللغة اليونانية (كريستوس).
فيما المقطع الثاني Mas فهي كلمة مصرية الأصل، هيروغليفية الجذور تعني يلد أو To give birth.
فعلي سبيل المثال “تحتمس” بالفرعونية تعني المولود من تحوت، أو “رعمسيس” أي المولود من الآلة رع آله الشمس عند الفراعنة، ومن هنا جاءت كلمة “ماس” بمعني مولد السيد المسيح.
السؤال الذي يتردد دوما علي الأذهان… هل 25 ديسمبر هو التاريخ الحقيقي لمولد السيد المسيح؟
الجواب الشافي الوافي يحتاج إلي مؤلف قائم بذاته، لكن يمكننا القول أن هناك جذور لا علاقة لها بالمسيحية حول الاحتفال بهذا التاريخ، ذلك أن أول من صرح بوضوح أن السيد المسيح ولد في 25 ديسمبر هو القديس “هيبولتيوس” الروماني، في تعليقه علي كتاب النبي دانيال، كما أن بعض مفسري الكتاب المقدس يربطون هذا التاريخ بالاحتفال بعيد تكريس هيكل أورشليم، الذي أطلقه يهوذا المكابي في عام 164 قبل المسيح.
وفي مرحلة لاحقة في القرن الرابع، أخذ العيد هيكليته النهائية عندما حل مكان العيد الروماني المعروف باسم الشمس الظافرة “، وتم التشديد بهذا الشكل علي أن مولد المسيح هو انتصار النور الحق علي ظلمة الشر والخطيئة.
لماذا إذن يحتفل الشرقيون بعيد الميلاد في السابع من يناير كانون الثاني وليس في 25 ديسمبر كانون الأول؟
بسبب اختلاف التقويم اليولياني (نسبة إلي يوليوس قيصر وزمن الإمبراطورية الرومانية)، عن التقويم الغريغوري نسبة إلي البابا “غريغوريوسالثالث عشر” بابا روما عام 1825، ويرجح علماء أخرين أن مولد السيد المسيح كان في الصيف لا الشتاء، وأن التاريخ الميلادي الآن سقط منه سهوا في عمليات حسابية نحو خمسة أو ستة أعوام ما يعني أننا الآن في عام 2021 أو 2222.
أين ولد السيد المسيح؟ يجمع المؤرخون أنه ولد في مدينة بيت لحم، ومعناها بالعبرية “بيت الخبز”، وهي مدينة تبعد عشرة كيلو مترات عن أورشليم “القدس” وترتفع 756 مترا عن سطح البحر.
المدينة لها تاريخ قديم في بني إسرائيل، لأنها شهدت ميلاد الملك داود، أشهر وأهم ملوكهم، وقد تحول موقع ميلاد المسيح إلي كنيسة أثرية مهمة للغاية هي “كنيسة المهد” وقد بناها الإمبراطور الروماني قسطنطين عام 355 ميلادية، وتعتبر من أقدم كنائس فلسطين والعالم، والأهم من هذا حقيقة أن الطقوس الدينية تقام فيها بانتظام منذ مطلع القرن السادس الميلادي، حين شيد الإمبراطورالروماني “يوستنيان” الكنيسة بشكلها الحالي.
تضم الكنيسة ما يعرف بكهف أو “مغارة ميلاد المسيح” وتزين المغارة نجمة فضية موجودة في المذود المطلي بالمرمر ومكتوب عليها باللغة اللاتينية “هنا ولد يسوع المسيح من العذراء مريم“، وداخل المغارة خمسة عشر قنديلا تمثل الطوائف المسيحية المختلفة، وقد تعرضت بعض أجزاء الكنيسة للدمار عدة مرات، كان أولها في عام 529 عندما دمرها السامريون، وفي زمن الحروب بين الفرس والروم تمكن الإمبراطور الروماني “هرقل“ من طرد الفرس من ممتلكات الدولة الرومانية عام 641، وتعرضت وقتها كنيسة المهد للهدم، من قبل الفرس عام 614، بينما أبقي الفرس علي بعض مباني الكنيسة عندما شاهدوا نماذج من الفن الفارسي الساساني علي أعمدة وجدران الكنيسة.
والمثير أنه في زمن الحروب الصليبية، أنتزعها وأحتلها الصليبيون حيث وجدوا في مظهرها وعمارتها الخارجية الشبيهة بالحصون والقلاع مكانا مناسبا لإدارة معاركهم وتبقي كنيسة المهد حتي الساعة شاهد علي مولد المسيح مشرقيا في أرض فلسطين.
ليلة الكريسماس الحقيقية، ليلة الميلاد المثالية، تلك التى يمحي فيها البغض، وتزهر فيها الأرض، وتدفن الحرب، وينبت الحب.
عندما نسقي عطشان كأس ماء نكون في الكريسماس الحقيقي، والأمر ذاته عندما نكسي عريان ثوب حب، أو نجفف الدموع في العيون، أو نملأ القلوب بالرجاء ساعتها فقط نعرف معني الكريسماس الحقيقي.
ليلة ولادة السيد المسيح رتلت الملائكة المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وفي الناس المسرة”.
كل عام وأنتم بخير.