محمد أمين المصري يكتب: اللعبة الحلوة خير وأبقي يا فرنسا
رغم انتهاء بطولة كأس العالم وفوز الأرجنتين علي فرنسا بضربات الترجيح، لم تهدأ الحملة العنصرية التي يشنها اليمين الفرنسي المتشدد ضد لاعبي منتخبهم من أصول إفريقية، فالجمهور تلتهب أياديه من التصفيق للاعبين الفائزئن ويحملهم على الأعناق لو فازوا وحصدوا كأس البطولات، ولكنه نفس الجمهور أيضا ينقلب تماما لو خسر اللاعبون أي بطولة وعادوا الى فرنسا خاليي الوفاض.
ما ذنب اللاعب الشاب كينحسلي كومان إذا اخفق في إحراز ضربة جزاء، وهو نفس اللاعب الذي نزل احتياطيا قبل نهاية مباراة فرنسا والأرجنتين وكانت فائزة بهدفين مقابل لا شيء للفرنسيين، وبمهارة فائقة استطاع تغيير مجري اللعب لصالح فريقه ليتمكن كيليان مبابي من إحراز هدفي التعادل ليعود الأمل الى الفرنسيين في لعب شوطيين إضافيين وفتح المجال الى الفوز خلالهما.
الى هنا الأمور تسير الأمور عادية، نفوز ويفرح جمهورنا، حتى ينقلب الحال حينما نخسر لينعتنا الجمهور بأقذع الشتائم والأوصاف ويطالب بعودتنا الى بلادنا في القارة الإفريقية لنعيش فيها بقية عمرنا، فنحن لا نستحق الحياة مع ذوي البشرة البيضاء وأخيار أوروبا.
إنها حكاية ثلاثي المنتخب الفرنسي أوريليان تشاويميني،وكينحسلي كومان، وراندال كولو مواني، الذي تعرضوا لحملات إساءات غاضبة من اليمين الفرنسي، حتى خرج نجم منتخب فرنسا وريال مدريد كريم بنزيما عن صمته ليدافع عن اللاعبين ذوي أصول إفريقيا في منتخب بلاده، ولمح باحتمال اللعب دوليا بسبب إساءةعنصرية تعرض لها لاعبون فرنسيون بعد هزيمة نهائي كأس العالم.
الحملة العنصرية اليمينية جاءت بسبب إهدار كومان وتشاويمينيركلتي ترجيح في مباراة النهائي أمام الأرجنتين، في حين أهدر موانيفرصة تسجيل هدف في آخر دقيقة من المباراة ذاتها، فتعرضوا لأقذعالانتقادات والحملات العنصرية التي شككت في انتمائهم.
حملة العنصرية البغضاء يقودها في فرنسا زعماء اليمين المتطرف، مستغلين خسارة المنتخب نهائي المونديال رغم لعبه مباراة رائعة تليق بكرة القدم الفرنسية، وردا علي خسارة المنتخب تمادي هؤلاء السياسيين في كيل الاتهامات للاعبين من أصول إفريقية ونعتهم بأوصاف لا تليق بحيوانات، بل وصفهم البعض بالقرود فعلا في رد فعل مقيت لا يرقي ببلد يقول أنه حر ومتحضر ويطبق الديمقراطية الحقيقية، ثم تصل صفاقة اليمين المتشدد الى حد تحذير بقية الفرنسيين من مغبة تغير وجهه فرنسا الأبيض الى الأسمر. ولم تتوقف الحملة عند هذا الحد، بل طالب اليمين المقيت أيضا ترحيل اللاعب كينجسلي كومان إلى إفريقيا عقابا له على إهدار ضربة الجزاء، ليعلن اللاعب بعده وقف خاصية التعليقات على حسابهالرسمي عبر موقع انستجرام، ثم تبعه بقية اللاعبين.
المشكلة أن هذه الحملات العنصرية تتجدد عند كل نهائي بطولة تقريبا، فقبل سنوات تعرض لاعبون انجليز لى حملات عنصريةمشابهة بسبب أصولهم المهاجرة، ومنهم
لاعبي إنجلترا الثلاثة: بوكايو ساكا وماركوس راشفورد وجادونساوانشو، حيث تعرض للإهانة إثر إهدارهم ركلات ترجيح حاسمةتسببت في خسارة إنجلترا في نهائي بطولة أمم أوروبا لكرة القدم“يورو 2020″ أمام إيطاليا.
ومن المؤسف أن بعض وسائل الإعلام تساند الحملات العنصريةوالاستعلاء الفرنسي منها قناة “CNEWS” المقربة من اليمينالمتطرف، وربطت بين خسارة المنتخب الفرنسي بالتعدد الثقافيبالمنتخب، متهمة اللاعبين أبناء المهاجرين بالسبب في خسارة نهائي المونديال لأن ولائهم لبلدانهم الأصلية وليس لفرنسا، لتفتح هنا جدلجديد بشأن مدى انتماء هؤلاء، هل الى بلدانهم الإفريقية؟..أم الى فرنسا؟!..فعند الفوز يكون اللاعب فرنسيا، وعند الخسارة يتذكرون إنه إفريقي..يالها من مأساة حقيقية يعيشها اللاعبون الذين لم يقصروا طوال مباريات المونديال، فنالوا التصفيق حتى جاءت لحظة النهاية ليصفونهم بالغرباء. “أنت فرنسي عندما تفوز لكن عندما تخسر فأنتمجرد إفريقي .. عند الفشل فقط ينسون أنك فرنسي“..هكذا وصف أحد المغردين حال اللاعبين من ذوي أصول إفريقية في تقرير نقلته شبكة “بي بي سي”. ومن قبل قالها اللاعب التركي الأصل مسعود أوزيل: “عندما نفوز فأنا ألماني وعندما نخسر فأنا لاجىء“.
لقد خسرت فرنسا شعار الجمهورية “الحرية..المساواة..الأخوة” الذي تنادي به كدليل على تنوعها الثقافي والعرقي، علما بأن عدد اللاعبين من الأصول الإفريقية يفوق عدد أقرانهم البيض في المنتخب الفرنسي، ويقترب هذا أيضا في المنتخب الانجليزي، وقريبا سيكون المنتخب الألماني هكذا، ثم الأسباني..بعد أن من المستحيل انضمام لاعب إفريقي الى هذه المنتخبات قبل سنوات، ما يؤكد أن العالم أصبح قرية صغيرة بالفعل، ولا مجال للتمييز الذي لا يعود ويظهر على السطح إلا فى كرة القدم.
ولعلنا نرى أن ما فعله الرئيس وليام روتو، الذي علق على نهائي كأسالعالم قائلا: “مبروك للمنتخب الأرجنتيني فوزه بكأس العالم“، قبلأن يكمل قائلا: “فريقنا الإفريقي المشارك في كأس العالم لعب مباراةرائعة“.. فهو وقع في نفس خطأ اليمين الفرنسي المتطرف، لأن حرض على انتماء اللاعبين وأنهم ينتمون الى إفريقيا، في حين أن انتماء هؤلاء يعود الى بلدانهم الجديدة طالما حملوا جنسيتها واللعب تحت علمها.
وما زاد الطين بله في هذا الصدد، هو انتشار فيديو قصير لنجم المنتخب الفرنسي كيليان مبابي يؤكد فيه تعرضه للتنمر وأنه يتمني العودة الي الكاميرون وترك فرنسا، ولكننا اكتشفنا لاحقا أن الفيديو مفبرك وأن الترجمة غير صحيحة وأن تاريخه يسبق كأس العالم بالدوحة.
المؤكد أننا سنرى في القريب العاجل أن البشرة السمراء ستكون غالبة على كل المنتخبات الأوروبية، ولن يكون هذا حكرا على منتخب دون سواه، فاللاعبون الأفارقة أثبتوا مهارة فائقة تفوق ما لأقرانهم الأوروبيين حتى لو غضب اليمين والمشددون، وليذهب هؤلاء المتطرفين الى الجحيم..فعشاق كرة القدم لا يهمهم سوى اللعبة الجميلة والنقلات الممتعة والأهداف الرائعة، فلا يهم لون بشرة أو جنسية، فالمهم اللعبة الحلوة، وهى التي ستبقي وليس التشدد والتطرف.