د.داليا البيلي تكتب : إيديكس .. حين تفتح مصر أبواب المستقبل وتُظهر للعالم ما تستطيع فعله

هناك لحظات في مسيرة الدول تتجاوز كونها فعاليات عابرة لتصبح رسائل قوة، ومعرض إيديكس للدفاع والصناعات العسكرية بات واحدة من هذه اللحظات التي تعيد فيها مصر رسم صورتها أمام العالم، مؤكدة قدرتها على الإبداع والتنظيم والريادة في واحد من أدق المجالات وأكثرها تأثيرًا.
فمن يدخل أروقة المعرض يشعر أنه أمام رواية وطنية مكتملة الأركان، حكاية دولة قررت أن تبني قوتها بيدها، وأن تضع نفسها في مكانها المستحق بين الأمم.
لا يرى الزائر معدات عسكرية فقط، بل يلمح روحًا مصرية نابضة بالفخر؛ مهندسين، خبراء، وشبابًا يعرضون ثمرة سنوات من العمل في مؤسسات الإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع.
هنا تتحول فكرة “الاستهلاك” إلى تصنيع وتطوير وابتكار، في رسالة تقول إن مصر لا تعتمد على غيرها بقدر ما تعتمد على نفسها، وإن الصناعة الوطنية أصبحت جزءًا من قوة الدولة وهيبتها.
ويتجاوز الحضور في إيديكس حدود التقنيات، إذ يشعر المرء أن القاهرة تحولت خلال أيام المعرض إلى مدينة عالمية مصغرة تستضيف وفودًا رسمية وشركات دفاعية كبرى وخبراء من مختلف القارات.
هذا الحضور الكثيف لا يعكس جودة التنظيم فحسب، بل يؤكد أن العالم ينظر إلى مصر باعتبارها مركز استقرار حقيقي، وشريكًا موثوقًا قادرًا على بناء شراكات دفاعية تسهم في حفظ الأمن والسلم الإقليمي.
وقد تميز معرض هذا العام بقدر لافت من التطور الذي يدفع إلى التأمل.
فقد شهد مشاركة دولية واسعة من شركات ووفود تحضر للمرة الأولى، ما يعكس ارتفاع مستوى الثقة في البيئة الدفاعية والصناعية المصرية.
كما ظهر بوضوح الحضور القوي لتقنيات الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة وحلول الأمن السيبراني ومنصات القيادة والسيطرة الحديثة، الأمر الذي يؤكد أن مصر تتحرك بثبات نحو مستقبل دفاعي رقمي يعتمد على التكنولوجيا المتقدمة.
أما الأجنحة المصرية فشهدت اهتمامًا خاصًا من الزوار، بعدما قدمت مؤسساتنا الوطنية نماذج جديدة لمدرعات وأنظمة حماية مطوّرة وتحديثات ملحوظة لذخائر موجهة، إضافة إلى عرض مشاريع مشتركة مع شركات عالمية تعكس تطور الصناعة المحلية ورسوخ خبرة الكوادر المصرية.
وقد كان التنظيم هذا العام محل إشادة واسعة، بفضل مستوى الاحترافية في إدارة الحدث وتجهيز المساحات وتأمين التجربة بالكامل، مما قدم للعالم رسالة واضحة مفادها أن مصر دولة قادرة على استضافة أكبر الفعاليات الدولية بقوة وثقة وشفافية.
وتتجلى القيمة الأكثر إنسانية في المعرض في أثره على المواطن المصري، إذ يمنح الشعب شعورًا حقيقيًا بالطمأنينة والفخر، ويؤكد أن الدولة تتحرك بخطى ثابتة في بناء قدرات عسكرية تحمي الوطن وتؤمن حدوده وتواكب التطور العالمي دون توقف.
يشعر المواطن أن ما يراه في إيديكس ليس مجرد مظاهر قوة، بل نتاج رؤية وطنية تُدرك أن الأمن أساس التنمية، وأن المستقبل صنعته الدول التي تستثمر في أبنائها وعقولهم.
وفي النهاية، يثبت إيديكس أن مصر لا تكتفي بمتابعة ما يحدث حولها، بل تصنعه وتشارك في صياغة ملامحه.
إنه ليس مجرد معرض دفاعي، بل نافذة واسعة تُطل منها مصر على العالم، ورسالة تقول إن الدولة تعرف طريقها جيدًا، وتمضي فيه بثقة وثبات، وأن القاهرة أصبحت مركزًا عالميًا لصناعة الدفاع ووجهة للابتكار العسكري الحديث.
إنه حكاية وطن ينهض، ويتقدم، ويثق في قدرته على حماية مستقبله وصناعة مكانته بين الأمم.










