إميل أمين يكتب: الفاشية التقنية ..حديث المعنى والمبنى

يمكن إعتبار الفاشية التكنولوجية وصفا للحكم الإستبدادي الذي يقوده التكنوقراط حيث تعتبر التكنولوجيا القوة الرئيسية الدافعة للقائمين على هذا الحكم .
يتميز هذا المفهوم بإندماج سلطة الدولة وسلطة الشركات، لاسيما في قطاع التكنولوجيا، مما يؤدي إلى ” تقننة” الحكومة والمجتمع . وفي الآونة الأخيرة أستخدم لوصف إمكانية حدوث هذا الإندماج في الولايات المتحدة بنوع خاص .
وبمزيد من الإيضاح، فإن نموذج الفاشية التكنولوجية، غالبا ما يطلق على وصف الشراكة السياسية المغشوشة، بين أصحاب المصالح، وقادة الشعوب، ذلك أنه غالبا ما ينطوي على تحالفات نفوذ الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا والقادة الأوتوقراطيين.
وبدون تزيد يمكننا القول أن الفاشية التكنولوجية متجذرة في التكنوقراطية ، وهو نظام يتم فيه تكليف الخبراء والمتخصصين ، وخاصة أولئك العاملين في مجال التكنولوجيا ، بالحكم وإتخاذ القرارات، وفي هذا السياق فإن أحد الجوانب الرئيسية للفاشية التكنولوجية هو التأثير الشامل للتكنولوجيا في جميع جوانب الحياة ، من الحكومة والأعمال التجارية إلى التفاعلات الشخصية ، ويؤكد المفهوم على العلاقة الوثيقة بين الدولة والشركات الكبرى وخاصة في قطاع التكنولوجيا .
ومن غير شك يمكن القطع بأن مصطلح” الفاشية التكنولوجية”، قد أكتسب زخما كوسيلة لوصف المخاوف المحيطة بالتأثير المتزايد للتكنولوجيا في السياسة والمجتمع ، وخاصة في سياق بعض الشخصيات السياسية وعلاقاتها بوادي السيلكون.
على سبيل المثال ، ناقشت مجلة ” نيويوركر ” الأميركية ذائعة الصيت ، كيف أن إندماج القوة التكنولوجية للدولة والشركات في الولايات المتحدة قد يؤدي إلى مستقبل ” فاشي تكنولوجي “، مؤكدة على إمكانية ظهور الإستبداد الذي يقوده التكنوقراط .
وغالبا ما يؤدي صعود الفاشية التكنولوجية إلى الإضرار بالديمقراطية ، حيث يتخذ الخبراء أو أولئك الذين يتمتعون بالمرعفة المتخصصة القرارات دون مراعاة المبادء الديمقراطية أو مدخلات الجمهور إحتمالية نشر معلومات مضللة والتلاعب بعقول الجماهير الغفيرة .
أضف إلى ذلك ، أن صعود وسائل التواصل الإجتماعي والتكنولوجيا أدى إلى خلق طرق جديدة لنشر المعلومات المضللة ، تلك التي يمكن إستغلالها للتأثير على الرأي العام وتعزيز الأجندات الإستبدادية .
يحاجج الكثير من الكتاب والمحليين السياسيين الأميركيين بأن ومنهم “أليستير ألكسندر “و ” جوان دونوفان”، بان العلاقة المثيرة التي تابعها الأميركيون خلال الأشهر القليلة المنصرمة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب،و الفتى المعجزة إيلون ماسك، صاحب شركة تسلا وصواريخ سبيس إكس، خير دليل على خطورة تيار التكنوفاشيزم .
في هذه المرحلة، وعلى الرغم من الخلافات التي طفت على السطح بين ترمب ماسك، إلا أنه يكاد يكون من المستحيل فهم إندماج المصالح التجارية والتكنولوجية والأمنية والوطنية والسياسية الذي يمثله التحالف ين ترمب وماسك بشكل كامل . ولكن بما أنه يتجاوز بشكل شامل جميع هياكل المعايير الديمقراطية والمساءلة ، فربما يكون من الأفضل إعتباره نوعا من ” المجمع الناشي ، الذي يذكرنا ب” المجمع الصناعي العسكري ” الذي حذر من أيزنهاور بذكاء عند مغادرته البيت الأبيض عام 1961.
غير أنه في حين كان المجمع الصناعي العسكري – ولا يزال – خارج نطاق الرؤية مختبئا في ظلال القوة الكامنة والمؤامرات الجيوسياسية ، فإن المجمع الذي يضم في نهاية الماف إثنين من أكثر الرجال النرجسيين إنجازا في العالم، سوف يكون في دائرة الضو على المسرح الرئيسي في العالم ومنصاته الرقمية الخاصة .
ومن خلال هذا العقد الناشئ ، تمكن ترمب من فرض السيطرة تقريبا على صناعة التكنولوجيا الأميركية بأكملها، والتي أصبحت الآن القطاع الأقوى على الإطلاق ، من حيث الربح والقيمة السوقية ، في الإقتصاد الأميركي والعالمي .
ولعله من المثير أن ترمب وحتى قبل عودته إلى منصبه ، فقد اصبح لديه بالفعل سلطة أكبر على راس المال مما كان ليتصوره في ولايته الأولى.
غير أن علامة الإستفهام المثيرة والخطيرة في آن واحد :” ما الذي يمكن أن يصيب الحياة الأميركية – كمثال – حال التشارع والتنازع بين أصحاب التكنولوجيا وملاك أدواتها ورأس مالها من كبار الإقطاعيين المحدثين في عالم التقنيات المعاصرة، وبين السياسيين أصحاب المقاعد السياسية الوثيرة، بدءا من أصغر عمودية في أقصى الجنوب مرورا بالوسط وصولا إلى شمال البلاد ؟
هنا يبدو ما جرى بين ترمب وماسك مؤخرا حاضرا ومخيفا، ذلك لان الأخير أكتسب خبرات تراكمية واسعة عن الدولة الأميركية بملامحها ومعالمها الفيدرالية، إلى درجة أن البعض يعتبر أن ماسك اليوم لديه نخبة من الرجالات المهرة القادرين على إدارة شؤون الدولة في أي وقت يحتاج، بمعنى أنه خلال 120 يوم أستطاع تكوين فريق يمكن أن يمثل عند لحظة معينة حكومة ظل .
والشاهد أنه على الرغم من أن ترمب في اللحظة الحالية هو الأقوى إنطلاقا من منصبة السياسي، ومقدراته الحكومية ، إلا أن ماسك وبملياراته العديدة ، وتفكيره في تكوين حزب جديد أطلق عليه ” حزب أميركا”، يمكنه أن يكون فاعلا وناجزا في سياقات العمل السياسي الأميركي ، ولفترات زمنية أول كثيرا جدا من مجرد ثلاث سنوات ونصف هي ما تبقى لسيد البيت الأبيض من ولايته الثانية .
كما أن التفكير في تشكيل حزب أميركي جديد، يفيد في الحال والإستقبال بأن طموحات ماسك ، كممثل لطبقة التكنوفاشيزم ، لن تتوقف في القريب العاجل بل أن هناك مخططات لإمتدادها وتوسعها في قادم الأيام










