مايسة السلكاوى تكتب (من السيرة النبوية ) الغزوات والسرايا 2/ 4

بعد انتصار المسلمين فى غزوة بدر وفى العام الثالث للهجرة وقبل غزوة أحد ، كانت سرية محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الأشرف ، وهو من أشد اليهود كرها وحنقا على الإسلام والمسلمين وإيذاءا لرسول الله صل الله عليه وسلم .
كان كعب بن الأشرف غنيا ومترفا معروفا بجماله بين العرب وشاعرا من شعرائها يقع حصنه خلف ديار بنى النضير جنوب شرق المدينة ، عندما بلغه إنتصار المسلمين فى بدر وقتلهم لكبار قريش قال: والله إن كان محمد أصاب هؤلاء القوم ، لبطن الأرض خير من ظهرها ، وأنطلق يهجو الرسول والمسلمين ، ويمدح قريش ويحرضهم عليهم ، ولم يكتف بذلك بل ذهب إلى قريش وأنشد أشعارا متباكيا على قتلى المشركين ويدعوهم إلى حرب الرسول والمسلمين ، وعندما سأله أبو سفيان :أديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه وأى الفريقين أهدى سبيله ؟ فقال أنتم أهدى منهم سبيلا .
وعندما رجع إلى المدينة تعرض بالقول فى أشعاره والتطاول على نساء الصحابة ويؤذيهم بلسانه السليط . وعندئذ قال رسول الله صل الله عليه وسلم ” من لكعب بن الأشرف فإنه أذى الله ورسوله ، فانتدب له محمد بن مسلمة وعباد بن بشر وأبو نائلة واسمه سلكان بن سلامة وهو أخو كعب من الرضاعه والحارث بن أوس وأبو عبس بن جبر بقيادة محمد بن مسلمة الذى وفقه الله تعالى مع أصحابه فى تصفيته.
حاول المشركون مسح عار هزيمتهم فى بدر بعد فقدهم عددا كبيرا منهم ، وزعزعة مكانتهم بين القبائل وتهديد تجارتهم ، لذلك تجمعت قريش وأنضم إليهم عدد من العرب بقيادة أبو سفيان متوجهين نحو المدينة للقضاء على المسلمين والثأر ليوم الفرقان وذلك فى السنة الثالثة للهجرة .
خرج المسلمون لملاقاة المشركين ونزلوا “بأحد” وجعل النبى ظهره للجبل ووضع على الجبل 50 راميا “عرف بعد ذلك بجبل الرماه” وامرهم بحماية ظهور المسلمين وعدم النزول من الجبل سواء انتصر المسلمون أو انهزموا .
فى البداية انهزمت قريش وانسحبوا تاركين غنائم كثيرة ، وعندئذ خالف كثير من الرماه أمر النبى ونزلوا من الجبل لجمع الغنائم وقد ظنوا انتهاء المعركة .
انتهز خالد بن الوليد الفرصة وهجم على بقية الرماه وقتلهم واحتل الجبل وعادت قريش للهجوم ، فاضطربت صفوف المسلمين وقتل منهم الكثير . لكن النبى ثبت ومعه قلة من أصحابه استماتوا فى الدفاع عن الرسول صل الله عليه وسلم ، وقد دارت حوله معركة طاحنة تفانى فيها الصحابة فى الدفاع عنه حتى قتل فى سبيل ذلك سبعة منهم .
فى هذه الغزوة اصيب النبى حين رماه عتبة بن أبى وقاص بالحجارة فوقعت رباعيته “سنه” وشج فى وجهه من عبد الله بن شهاب كما وقع فى حفرة عملها أبو عمار الفاسق ليقع فيها المسلمون . وكان لإشاعة مقتل النبى أثرها السئ على الروح المعنوية للمسلمين . من ابرز شهداء “أحد” حمزة بن عبد المطلب عم النبى ، ومن المدافعين عنه “نسيبة بنت كعب ” فكانت تباشر القتال وتزود عنه بالسيف وترمى عنه القوس حتى جرحت على عاتقها جرحا أجوفا له غور اصابها به ابن قميئه .
وقد قال الرسول : لمقام نسيبة بنت كعب اليوم أخير من مقام فلان وفلان . وقالت نسيبة لرسول الله صل الله عليه وسلم : ادع الله أن نرافقك بالجنة ، فقال:” اللهم إجعلهم رفقائى فى الجنة فقالت : ما أبالى ما اصابنى من الدنيا .
وقد جرح ابنها عبد الله يوم أحد فأقبلت أمه نسيبة فربطت جرحه وقالت له :انهض بنى فضارب القوم فقال النبى ” ومن يطيق ما تطيقين يا أم عماره ” .
ولمحو اليأس من قلوب المسلمين وبث روح التفاؤل وإعادة الثقة لهم بعد مرارة الهزيمة ،وكان لا بد من إيصال رسالة لقريش تؤكد أن المسلمين ما زالوا قادرين على المواجهة ومواصلة القتال فى سبيل نصرة الإسلام ، فكانت غزوة ” حمراء الأسد ” وتعد إمتدادا طبيعيا لغزوة أحد والتى انهت صفحة من صفحات المواجهة بين المسلمين وقريش وأعوانها .
لذلك كان قرار رسول الله صل الله عليه وسلم بضرورة المواجهة ،وعلى الفور وفى اليوم التالى لأحد أمر النبى بلال بالنداء بالاستعداد لملاقاة العدو وخص بذلك من شهدوا معركة أحد تأكيدا لقدرتهم على مواصلة القتال .
وانطلق المسلمون مع رسول الله صل الله عليه وسلم لرد اعتبارهم ، وفى الطريق أقبل معبد بن أبى معبد الخزاعى فعزى النبى فيمن اصيب من أصحابه وأعلن دخوله الإسلام ،فكانت هذه فرصة ذهبية يمكن استغلالها لإرهاب قريش خاصة وانها تجهل إسلامه ،وبينما كان أبو سفيان وقومه يتلاومون فيما بينهم كيف يعودون إلى مكة دون القضاء على المسلمين ، أقبل الخزاعى فسألوه عن حال المسلمين فقال أنهم خرجوا فى جيش عظيم ونفوس غاضبة للإنتقام لقتلاهم ونصحهم بالعودة إلى مكة ، وحينها انهارت عزيمة المشركين فقرروا العودة وحاول أبو سفيان بعث رسالة تهديد للمسلمين ولكنه زادهم إصرارا على القتال .
وصل المسلمون إلى حمراء الأسد وهو جبل أحمر جنوب المدينة بنحو 2 كيلومترا وعسكروا بالقرب من جيش المشركين لمدة ثلاثة أيام ولم يحدث قتال واستطاع المسلمون أن يأسروا أبو عزة الجمحى وكان شاعرا تم أسرة يوم بدر ثم أطلقه الرسول بغير فداء رحمة ببناته مشترطا عليه ألا يقف ضد المسلمين فلم يحترم هذا الرجل عهده وقاتل مع المشركين فى أحد ، وعنما أسر هذه المرة طلب العفو لكن النبى أمر بقتله وقال كلمته : لا يلدغ المؤمن من حجر واحد مرتين ، وانتهت أحداث هذه الغزوة وعاد الرسول صل الله عليه وسلم إلى المدينة منتصرا محققا أهدافه دون خسائر .