د.أمانى فاروق. تكتب : إعلانات رمضان… فواصل لا يمكن تجاوزها!

إذا كان الجميع يتحدث عن دراما رمضان، بين ناقد ومتحمس، وبين من يراها انعكاسًا للواقع ومن يراها هروبًا منه، فإنني لن أخوض في ذلك الجدل، ولن أتحدث عن المسلسلات التي تملأ الشاشات، بل سأتحدث عن شيء آخر… عن دراما من نوع مختلف، دراما تُختزل في دقائق معدودة لكنها قد تترك أثرًا أبقى من حلقات تمتد لثلاثين يومًا.
نعم، سأتحدث عن إعلانات رمضان.
هي ليست مجرد فواصل تجارية، وليست مجرد محاولة للترويج لمنتج أو خدمة، بل هي حالة خاصة جدًا، تشبه رسائل قصيرة تصل إلى القلب مباشرة، تحمل دفئًا، وتثير مشاعر، وتعيد إلينا ذكريات. بعض هذه الإعلانات يمرّ علينا عابرًا، وبعضها يستوقفنا، وبعضها يعيش معنا طويلًا، يعلق بأذهاننا حتى بعد أن ينتهي رمضان، ويظل مرتبطًا بنا كلما عادت أجواء الشهر الفضيل.
وهناك أصوات ارتبطت بهذه الحالة، أصوات نسمعها فنعرف أن رمضان قد جاء دون الحاجة إلى رؤية الهلال. حسين الجسمي، على سبيل المثال، لم يعد مجرد مطرب يغني لإعلان، بل صار صوته علامة مسجلة في ذاكرة الإعلانات الرمضانية، صوته يأتي كدفقة من الحنين، كأنما هو جزء من طقوس الشهر، مثل صوت المسحراتي، مثل صوت المدفع، مثل ضحكات العائلة حول مائدة الإفطار. من “سيبها على الله”، إلى “أهلك وأهلي”، إلى “رمضان جانا” بروح جديدة، كان صوته دائمًا حاملًا لمشاعر العائلة، والونس، والقرب، والدفء.
أما الإعلانات نفسها، فقد أصبحت في السنوات الأخيرة أكثر من مجرد ترويج، بل تحولت إلى مشاهد درامية مختصرة، تلمس القلب سريعًا. إعلان “اتكلم كل يوم يومين” لم يكن مجرد دعوة لاستخدام الهاتف، بل كان دعوة لإحياء علاقات كانت على وشك التلاشي. في لقطة واحدة، وبكلمات قليلة، استطاع الإعلان أن يعيد إلينا قيمة التواصل، أن يجعلنا نفكر في مكالمة هاتفية مؤجلة، في صوت اشتقنا إليه لكننا تأخرنا في الاتصال به.
وفي إعلان آخر، اجتمع حسين فهمي وميرفت أمين، ليس فقط ليذكّرونا بأيام السينما الجميلة، ولكن ليقدموا رسالة أعمق: أن هناك صداقات لا تهزمها السنين، وعلاقات تبقى رغم تغير الأزمنة. الإعلان لم يكن مجرد استرجاع للذكريات، بل كان احتفاءً بفكرة الوفاء، بالروابط التي لا تتغير مهما تغيرت الحياة من حولنا.
أما على مستوى الأغاني والإعلانات الغنائية، فقد شهدت السنوات الأخيرة انضمام أصوات رائعة زادت من سحر هذه الإعلانات. تامر عاشور، بصوته الدافئ وأدائه المميز، أضفى لمسة خاصة على إعلان بنك مصر، فكان الإعلان بمثابة أغنية تحمل مشاعر الأمل والإصرار، وأصبح مرتبطًا بذاكرة الجمهور بفضل صوته الذي يلامس القلوب.
وفي جانب آخر، كان أحمد سعد حاضرًا بقوة في رمضان، بصوته القوي والمؤثر، حيث ظهر في أكثر من إعلان متتالٍ في نفس الفاصل، مما أثار الجدل وجعل الجمهور يعلق على مدى انتشاره اللافت خلال الشهر الكريم. ورغم هذا الجدل، لا يمكن إنكار أن صوته كان جزءًا من حالة إعلانية مميزة أضفت أجواءً مبهجة ومؤثرة في آنٍ واحد.
أما شيرين عبد الوهاب، فقد عادت بصوتها المصري الأصيل في أحد الإعلانات، بصوت يفيض بالشجن والدفء، يعيدنا إلى زمن الأغاني التي تخاطب الروح قبل الأذن. وبالمثل، جاءت إليسا بصوتها المليء بالإحساس في إعلان آخر، لتضفي على المشهد لمسة راقية ومؤثرة، تؤكد أن الإعلان الناجح لا يعتمد فقط على الصورة، بل على الصوت الذي يترك أثره في القلب.
ولهذا، لا أستطيع أن أستمتع بمشاهدة المسلسلات على المنصات الرقمية التي تقدم الحلقات متتالية، بلا فواصل، بلا مساحات للتنفس، بلا هذه اللحظات التي تمنحني فرصة للاستمتاع بجمال الإعلانات وأغانيها التي أجد فيها أحيانًا تأثيرًا أقوى من الدراما نفسها! لا شيء يضاهي متابعة المسلسل على الشاشة التقليدية، حيث يكون الإعلان جزءًا من التجربة، وليس مجرد فاصل يمكن تخطيه. أحيانًا، أجد نفسي أترقب الإعلان أكثر من المشهد التالي في المسلسل، وربما يكون أثر أغنياته وصوره ومشاعره أقوى من أي حبكة درامية طويلة.
الإعلانات ليست مجرد دقائق تمر سريعًا، بل هي فن قائم بذاته، عالم صغير داخل العالم الأكبر، لحظات تختزل مشاعر يصعب على بعض المسلسلات أن تنقلها رغم ساعات العرض الطويلة… وربما لهذا السبب، ستظل إعلانات رمضان جزءًا من متعة المشاهدة التي لا أستطيع أن أستغني عنها.
————-
مدير مركز التدريب والتطوير بمدينة الانتاج الإعلامى