مقالات الرأى

محمد محمود عيسى يكتب: انتصرنا في القمة وانهزمنا في رمضان

0:00

انعقدت القمة العربية الطارئة في القاهرة بجهود ووساطة مصرية كبيرة وأصدرت قراراتها المرتبطة بالأزمة في غزة وبالقضية الفلسطينية وأيا كان مدى تفعيل هذه القرارات أو القبول بها من الأطراف المعنية فهي في مجملها تمثل انتصارا كبيرا للدولة المصرية ودفاعا راسخا عن قراراها وسيادتها وإدارتها للأزمة منذ بدايتها وحتى موعد انعقاد القمة العربية الطارئة ومخرجاتها.  انتصرت الدبلوماسية المصرية العريقة في إدارتها للأزمة ونجحت في شرح وتوصيل وجهة النظر المصرية إلى الجهات الأمريكية والأوربية والعربية الفاعلة انتصرت القاهرة في الدفاع عن القمة العربية وحمايتها والوصول بها إلى بر الأمان وانتصرت أيضا في تكريس وجودها وتأثيرها القوي والفاعل في القرار العربي وما كان ذلك ليحدث من غير أن تمتلك مصر أدوات ومفردات وأساليب القدرة على التأثير والقيادة الواعية الرشيدة والقوة الفاعلة التي تحمي قرارها وتصون سيادتها وتدافع عن إرادتها السياسية

 انتصارات سياسية ودبلوماسية لها تأثيرها الفاعل والمؤثر في محيطها العربي والإقليمي والدولي انتصارات مصرية بأدوات سياسية ودبلوماسية راقية شاركت فيها وبتأثير كبير مؤسسات سيادية مصرية لها من الرسوخ والمكانة والقوة ما يمكنها من قيادة مفاوضات الأزمة والقمة بفاعلية وتأثير كبير وعبر منظومة متكاملة من التفكير والتخطيط واتخاذ القرار وإدارة الأزمة بذكاء وحكمة وقيادة واعية رشيدة انعقدت القمة العربية الطارئة في رمضان وسط ترقب كبير من الشعب المصري أولا ومن الشعوب العربية ومن كافة الدوائر السياسية المهتمة بالشأن العربي والعالمي

أما عن الترقب المصري فقد كان يمثل استكمالا لمرحلة الفخر والاعتزاز بالقرار المصري والدفاع عن السيادة المصرية والقضايا العربية ومثل انعقاد القمة العربية الطارئة في موعدها وفي العاصمة الإدارية الجديدة استكمالا لسلسلة الانتصارات المصرية في الدفاع عن غزة وعن القضية الفلسطينية ولكن مع كل هذه الانتصارات التي تحدثنا عنها والتي لا يمكن أن تكون غير مرتبطة بمفهوم القوة المصرية الشاملة التي تضم وتشمل جميع أوجه التأثير في الداخل والخارج من فن وثقافة ودين ورياضة وحياة سياسية واعية ومنظمة وهادفة وغيرها من أدوات القوة المصرية الشاملة وإذا توقفنا عند الفن وهو أحد الركائز المهمة في منظومة القوة الشاملة المصرية واستعرضنا موسم الدراما وكل ما يقدم على شاشات القنوات المصرية والعربية الموجهة خلال شهر رمضان نجد أننا انهزمنا في معظم أو كل ما يقدم على الشاشات التلفزيونية ويعمل تأثيره القوي والفاعل في المشاهد المصري فالمتأمل لهذه النوعية من المسلسلات الدرامية التي يتم عرضها حاليا يجد أنها مسلسلات سلبية انهزامية تحمل بداخلها مضامين القوة المجتمعية الغاشمة المنفلتة والغير منضبطة والتي لا تخضع لقانون أو دين أو منظومات قيمية ومجتمعية راقية يجد أنها تحمل بداخلها الكثير من الرسائل المسمومة التي تشوه العقل والفكر المجتمعي وتزرع في الأسرة دوافع التفكك والتمرد على القيم والعادات والتقاليد والترابط الأسري

 تأمل معي إحدى القنوات العربية الحاضرة بقوة في ساحة الاعلام في مصر وتأمل أولا خريطة برامجها في رمضان  وفي غير رمضان تجد أنها تحرص على تقديم الكثير من البرامج السطحية الفارغة في مضمونها ومحتواها  والتي تعمل على إشغال الرأي العام والجمهور المصري بقضايا أسرية ومجتمعية فارغة وكأنها تهدف إلى الانتقال بالمشاهد والأسرة المصرية إلى مكانة فارغة وتافهة في عالم اللاشيء اترك البرامج وانتقل إلى خريطة المسلسلات الدرامية التي تحرص على تقديمها في شهر رمضان ومنذ سنوات ماضية تجد أنها تحرص على انتقاء  وتقديم محتوى درامي قائم على البلطجة والسرقة والقتل والعلاقات الغير المشروعة ومن خلال جرعات مكثفة من هذه المحتويات المدمرة للمشاهد وللأسرة والمجتمع المصري ولا يمكن أن ندعي حسن النية في تقديم هذه الأعمال والبرامج التي تتكلف الميزانيات المليونية الضخمة ولا يمكن أن يتم التعامل معها على أنها صدف رمضانية فنية فمن المؤكد أنها تدخل في نطاق العشوائية الدرامية والبرامجية المقصودة والمخطط لها بعناية ودقة فائقة .

انتصرنا في القمة العربية الطارئة وانهزمنا في رمضان من خلال هذا التفكك الدرامي والبرامجي وهذه العشوائية الدرامية والفنية السطحية والتي لا تكرس أي قيمة ولا تزرع أية خلق ولا تدافع عن قيم وأخلاق ومبادئ وتماسك الأسرة والمجتمع

انتصرنا في القمة العربية وانهزمنا في رمضان من خلال عدم تقديم مسلسلات مصرية رمضانية هادفة تحمي وتدافع عن الهوية والشخصية والبطولات المصرية

انتصرنا في القمة العربية وانهزمنا في رمضان من خلال تخلينا طواعية أو كراهية عن السيطرة والقيادة وامتلاك مفردات وأساليب التأثير في المحيط من خلال القوة المصرية الناعمة الشاملة

قد يرى البعض عدم الارتباط بين النجاح المصري في القمة العربية ومسلسلات وبرامج رمضان لهذا العام ولكن هذا الارتباط يتمثل في خطورة التأكيد والاهتمام بتقوية الجوانب السياسية والدبلوماسية والعسكرية وعدم الاهتمام ببقية مفردات وأدوات القوة المصرية الشاملة من فن وثقافة ورياضة ودين وحياة سياسية وتعليم وصحة وغيرها وما يجب أن نتنبه له جيدا ونحرص عليه هو إعادة صياغة وتقديم لمفردات وأدوات وأساليب القوة المصرية الشاملة والتي يجب أن تشمل جميع جوانب الحياة والمجتمع وهو ما سوف تفرضه قواعد النزاعات والحروب والتفاوض خلال السنوات القادمة

زر الذهاب إلى الأعلى