مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب: (قامات مصرية) سيد ياسين – 13

0:00

اقترن اسم “ياسين ” بصناعة الزجاج باعتباره رائدا لهذه الصناعة التى بدأها فى مطلع الثلاثينيات من القرن الماضى ، ولكنه قبل دخوله هذا المجال كان أول من أدخل فكرة ” النقل العام ” إلى شوارع القاهرة .
ولد محمد سيد ياسين عام 1886م بحى بولاق وكان والده مقاولا كبيرا حصل على عمليه تكسية جسور النيل ويدير رفاصات لنقل المحاصيل الزراعية والركاب بالمراكب الشراعية فورث عن أبيه ذلك كما ورث ديونا كبيرة تعدت 3 الأف جنية ، ويعد مبلغا كبيرا فى ذلك الوقت فكانت كلها “دين شرف ” فكانت ضمانات لأصدقاء صهينوا من السداد ، فطبيعى كان على الإبن أن يعمل ويجتهد ويتحمل المسؤلية .
وقبل العمل فى صناعة الزجاج ، أدخل فكرة النقل العام إلى مصر باختراعه سيارات أتوبيس تجوب شوارع القاهرة ، جاءته الفكرة حين وصوله إلى محطة السكة الحديد قادما من الإسكندرية وذلك فى عام 1921م ،كانت الشوارع قد تحولت إلى كتل طينية بسبب الأمطار ،وكان الترام متوقفا بسبب إضراب العمال فاستأجر حنطورا وطلب منه السائق سبعة أضعاف الأجرة المقررة ، ومن هنا فكر فى تحويل سيارتى اللورى اللتين يمتلكهما لوسيلة نقل للركاب مثل الترام .
بعد واقعة الحنطور ، خطرت لسيد ياسين فكرة تصنيع سيارات لنقل الركاب مثل الترام ،فاستعان باثنين من النجارين وركب معهما الترام وطلب منهما أن يصنعا فوق هياكل سيارات النقل “دكك خشبية “بمساند للجلوس عليها كما فى الترام ، وتحولت سيارات اللورى إلى اتوبيسات مفتوحة من الجانبين يتم الصعود إليها بواسطة سلم ،ثم أضاف إليها جوانب من الصفيح ،وبذلك يكون سيد ياسين أول من ابتكر فكرة اتوبيس لنقل الركاب دون أن يراه من قبل .
نجحت الفكرة رغم إحجام الناس عنها فى البداية خوفا من سرعة الأتوبيس وكانت لا تتعدى 20 كيلو مترا فى الساعة لإختلافها بالطبع عن الحنطور أو الكارو ، لكن بعد شهر ونصف تقريبا اعتاد الناس على الوسيلة الجديدة بعد أن كان يسير الأتوبيسات فى الشوارع وهى بدون ركاب حتى يعتاد الناس عليها وبالفعل بعد أن تجرأ أحدهم وركب الأتوبيس ولم يحدث له شئ أقبل الناس عليه ،مما شجع ياسين على زيادة عدد الأتوبيسات . و نجح مشروعه فكان يحقق 120 جنية شهريا وزاد عدد الأتوبسات حتى بلغت 100 أتوبيس ، محققا أرباحا كبيرة .
مما جعل الحكومة تعرض عليه فكرة إنشاء شركة مع أجانب ويتولى هو الإدارة لكن ياسين رفض وزادت عليه الضغوطات مما أدى إلى قصر منح تراخيص الأتوبيس على شركات أجنبية ورفض منحها له ، و عرضت عليه الحكومة التنازل عن الأتوبيسات على أن يبقى مشرفا على المشروع فرفض وتوقف المشروع .
قرر ياسين مقاضاة الحكومة ولكن نصحه محاموه بأن يختار الحصول على تعويض يصل إلى 150 ألف جنية ولكن بعد عشر سنوات أم يحصل على تعويض فورى قيمته 16 ألف جنية ففضل ياسين التعويض الفورى .
لم ييأس سيد ياسين واعتبر مبلغ التعويض نواة لمشروع جديد ، فوقع اختياره على صناعة الزجاج . على الرغم من أنها صناعة قديمة تعود إلى المصريين القدماء ونقلها الفرس ثم الرومان ،وانتشرت فى مصر بعد الفتح الإسلامى فاستخدمت المصابيح فى الجوامع والشوارع ، إلا إن الإحتلال الإنجليزى قضى على أى جهود لقيام صناعات مصرية ،ومما يدل على ذلك التقرير الذى أرسله اللورد كرومر المندوب السامى البريطانى قائلا بفخر :” اختفت الصناعة الوطنية فى الأسواق ولم يعد موجودا إلا السلع الأجنبية ” !.لذلك قرر ياسين أن يخوض التجربة مستفيدا من خبراته وتجاربه السابقة .
كانت لمبات الجاز مطلبا ضروريا للمصريين خاصة فى الريف ، لذلك أنشأ مصنع زجاج لمبات الجاز عام 1931م وظل لمدة ثلاث سنوات يتكبد خسائر كبيرة بسبب قلة الإنتاج وجهل العمالة بالصنعة ،ولكن بدعم وتشجيع الإقتصادى العظيم طلعت حرب تم تطوير هذه الصناعة ،وكان سيد ياسين تقدم بطلب الحصول على سلفة قيمتها 80 ألف جنية من بنك مصر ولكن إدارة البنك رفضت طلبه ، فعندما علم طلعت حرب وافق على السلفة وقام بنفسه بمتابعة المشروع وتشجيعه .
من هنا انطلق سيد ياسين لتنفيذ مشروعه الضخم فأنشأ أول مصنع للزجاج المسطح فى الشرق الأوسط ، فزار مصانع الزجاج فى ألمانيا واستعان بمدربين من التشيك ليبنى مصنعا بأحدث تقنيات صناعة الزجاج فى العالم ، ويتطور المصنع ويفى باحتياجات مصر فى مرحلة البناء والتعمير بعد الحرب العالمية الثانية ، ونجح المصنع فى إنتاج أول زجاجة كوكاكولا عام 1946م لينتهى تماما استيراد زجاجات المياه الغازية الفارغة من الخارج .
وتوسع ياسين فى مشروعاته الصناعية ،فأنشأ شركة القاهرة لإنتاج المعادن وشركة مصر للأعمال الهندسية والنقل إلى جانب تطوير صناعة الزجاج إلى أن أطلق عليه “ملك الزجاج فى مصر” ، وكمثله من رجال الصناعة والأعمال تم تأميم شركاته 1961م فى مقابل سندات بنكية قيمتها 15 ألف جنية بعائد شهرى 30 جنيها !! وهكذا انتهت مسيرة واحدا من أهم رجالات الصناعة فى مصر ، وتوفى عام 1971م .
وصفه الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين بأنه أحد زعماء الوطنية الإقتصادية فى مصر ،وبعد التأميم كانوا يصرفون له راتبا شهريا لا يكفى ثمن علاجه !!!.

زر الذهاب إلى الأعلى