مقالات الرأى

د.أمانى فاروق تكتب: جيل الكاميرا الصامتة… حين أصبحت العدسة أهم من الأخلاق

في مشهد مؤلم يروي مأساة أخلاقية جديدة، تعرضت فتاة صغيرة في إحدى المدارس الدولية الكبرى بالتجمع الخامس إلى اعتداء جسدي ونفسي قاسٍ من زميلاتها، ولكن ما زاد المشهد قسوة أن بقية زملائها لم يتحركوا لإنقاذها أو الدفاع عنها، بل اكتفوا بالتقاط هواتفهم لتصوير الواقعة، وكأن الكاميرات أصبحت أهم من الإنسانية.

ولكن، حين نتعمق أكثر في تفاصيل هذا المشهد، نجد أن الأمر لا يتوقف فقط عند واقعة عنف مدرسي، ما حدث يكشف عن ظاهرة أعمق وأشد خطورة؛ إنه انعكاس لتغير الأولويات لدى جيل كامل، حيث حلت الهواتف محل القيم، وأصبح التوثيق أهم من التدخل.

وهنا، نتساءل عن السبب وراء هذا التحول. الإجابة تبدو واضحة حين نُمعن النظر في الأثر العميق للسوشيال ميديا على عقول ونفوس أطفالنا، إن منصات التواصل الاجتماعي، رغم فوائدها التي لا تُنكر، صارت تمثل عالماً موازياً، مليئاً بالصخب والتنافس على عدد المشاهدات، دون أن تعطي مكاناً للقيم الإنسانية أو التعاطف الحقيقي وليس الافتراضي.

ومن هذا العالم الرقمي المليء بالتناقضات، انعكست التشوهات على الواقع المدرسي، فكيف يمكن أن تحدث مثل هذه الحوادث داخل صرح يُفترض أنه مكان للأمان والتعليم؟ غياب الرقابة المدرسية هنا ليس فقط في الإشراف على الأطفال، ولكنه في الفشل في تعزيز قيم الاحترام والتعاون بينهم.

ولعلنا، أمام هذا الواقع الأليم، لا نستطيع أن نغفل مسؤولية الجميع. الأسرة، المدرسة، والمجتمع بأسره، جميعهم مطالبون بالعمل سوياً لإعادة بناء منظومة القيم. فالحل ليس مجرد علاج لحادثة عابرة، بل هو مشروع طويل الأمد يستهدف غرس الأخلاق في نفوس الصغار.

وفي النهاية، نجد أنفسنا أمام سؤال مصيري: هل يمكننا أن نعيد للعدسة دورها كأداة لإظهار الخير، بدلاً من أن تكون شاهدة على اللامبالاة؟ الإجابة تبدأ من كل فرد فينا، ومن كل خطوة نتخذها نحو بناء جيل يحمل على عاتقه قيماً تعيد للمجتمع توازنه وإنسانيته.!
———
مدير مركز التدريب والتطوير بمدينة الإنتاج الإعلامى

زر الذهاب إلى الأعلى