محمود سامح همام يكتب : دوافع ودلالات التقارب بين الهند والقارة الأفريقية
يعد اقتصاد الهند من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، حيث قفزت الهند في العقد الأخير أربع مراكز في تصنيف الاقتصاد العالمي، مما جعلها خامس أكبر اقتصاد في العالم، وذلك لما بلغته من قيمة اقتصاد ٣,٧ تريليون دولار لعام ٢٠٢٣م، بالإضافة الى تصدر نيودلهي بأكبر نمو في العالم من حيث الناتج الملحي الإجمالي، وهذة المؤشرات الدالة على صعود الاقتصاد الهندي، تجعله بحاجة الى القارة الأفريقية لعدة أسباب، وهدة الحاجة الهندية تتجاوز مجرد استيراد الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة، بل تتضمن أيضا البحث عن فرص استثمارية بالقارة وتوسيع الأسواق وتعزيز التعاون الإنمائي وغيرها من الأسباب الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وكل هذه العوامل تجعل العلاقة بين الهند وافريقيا استراتيجية ومتعددة الأبعاد، وتطرح المتغيرات في العلاقات الهندية الافريقية، جملة من التساؤلات بشأن ما هي دوافع ومجالات التقارب الهندي الافريقي في صدد الديناميات الجبوسياسية بالقارة؟
في البداية، ارتكزت الهند في تواصلها مع الدول الأفريقية على مجموعة من الأسس بعضها تاريخي، وذلك يرجع لآونة دعم نيودلهي لحركات التحرر الوطني في افريقيا منذ استقلالها عام ١٩٤٧م من الاستعمار البريطاني، والبعض الأخر يتعلق باتفاق كلا الجانبين حول ملفات محددة، على سبيل المثال منها ، انتماء الجانبين الى مجموعة الجنوب في مواجهة الشمال وفقا للمنظور الغربي- التقليدي من خلال مجموعة عدم الانحياز وال 77، فضلاً عن ذلك التقارب المشترك بين الطرفين في العديد من القضايا مثل رفض التبعية والاستغلال الغربي لموارد دول العالم الثالث.
وارتباطا بذلك، ومع زيادة حجم سكان الهند المتوقع ان يصل الى مليار ونصف نسمة في عام ٢٠٥٠م، بالإضافة الى أن نيودلهي بلغت الحد الأقصى للطلب على النفط عام ٢٠٢٠م، كما أنه من المتوقع ان تصبح اكبر مستهلك للطاقة في العالم بحلول عام ٢٠٣٠م متجاوزة الولايات المتحدة والصين، وأدى هذا التزايد الديموغرافي والاستهلاك الهندي الواسع للطاقة الى تفاقم المخاوف حول من أنه بدون مصادر طاقة موثوقة، تلك الدلالات جعلت افريقيا محط انظار صناع قرار السياسة الخارجية الهندية، لما تحتويه القارة السمراء من أسواق ضخمة تحتوي على أكثر من مليار نسمة ومن المفترض أن يزاد حجم هذا السوق، كما تنفرد افريقيا بنسبة ٦٠٪ من الموارد العالمية، وعلى الجانب الأخر لقى هذا التقارب الهندي ترحيب واسع من عدة دول أفريقية، والسبب في هذا الترحيب الى نظرة الدولة الافريقية لنيودلهي على أنها من القوى الاقتصادية الكبرى التي لا تسعى للاحتكار السياسي والاقتصادي مثل دول المعسكر الغربي، مما يوفر لها استثمارات أجنبية غير مشروطة بالمساس بسياستهم المستقلة.
ويمكننا تسليط الضوء على مجالات التقارب الهندي الافريقي، حيث تحمل إمكانيات كبيرة لتطور إيجابي واستراتيجي بناءً على عوامل وديناميكية مشتركة ومصالح متبادلة تزيد من رابطة التعاون بين الجانبين، بداية، وبالحديث على الملف الاقتصادي تشهد العلاقات الاقتصادية الهندية الافريقية ارتفاعاً ملحوظاً، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الهند وافريقيا ارتفاعاً الى نحو ٩٥ مليار دولار لعام ٢٠٢٣ م مقارنة ب ٥٦ مليار دولار في عام ٢٠٢١م، علاوة على ذلك التواجد الهندي في تقديم دعم ميزانية المساعدات الخاصة للدول الافريقية، كما انها تقوم بسياسة تخفيف قيود الاستيراد الهندي على الدول الخمسين الاكثر فقرا والتي منها ٣٤ دولة افريقية، مما عزز من مرونة عملية التبادل التجاري الهندي الافريقي، ارتباطاً بذلك، وبتسليط الضوء على الملف العسكري، حيث تشهد العلاقات العسكرية الهندية الافريقية تطوراً تصاعدياً، اذ تنظم نيودلهي تدريب ميداني لافريقيا تحت مسمى رابطة ” افنديكس “، ومؤخراً نظمت الهند هذا التدريب لعام ٢٠٢٣م بمشاركة ٢٤ دولة افريقية من شرق وغرب افريقيا وشمالها، وهذة النسخة الثانية من هذا التدريب بعد نسخته الاولى في عام ٢٠١٩م، وتلك الجهود الدبلوماسية العسكرية الهندية تعزز من الشراكة السياسية مع القارة الافريقية، وفضلاً عن ذلك، ستحصل نيودلهي على دعم واسع من دول القارة في كافة المحافل الدولية المشتركة، وشهدنا ذلك بالفعل في استمرار دول افريقيا بدعمها للهند بالتصويت لحصولها على مقعد دائم بمجلس الأمن، مما يزيد من فرصة تعزيز ثقلها في الساحة الدولية.
ختاماً، يمكن القول إن التقارب بين الهند والقارة الأفريقية يحمل في طياته دلالات استراتيجية عميقة، تعكس رغبة مشتركة في تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي والعسكري، هذا التقارب ليس مجرد مرحلة عابرة، بل هو نتيجة لجهود مستمرة ومبادرات متعددة تسعى لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار المتبادل. بالنظر إلى التحديات والفرص التي تواجهها الهند وأفريقيا من بكين وواشنطن وغيرها من الدول المهيمنة على نفوذ القارة، فإن الشراكة المتنامية بينهما تبشر بمستقبل مشرق ومثمر لكلا الطرفين، قادرة على تشكيل نظام دولي أكثر عدالة وتوازنًا، مبنيًا على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.