مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: الشات مذبحة العلاقات

0:00

الشات بكل أشكاله حتى المصحوب بصورة هو مذبحة العلاقات الإنسانية؛ بين أروقته كم انتهت قصصٌ وحيوات كان من الممكن أن ترى النورَ يومًا ما، بسبب قصوره عن توصيل المراد، تقطعت السبلُ أمام العديدين لتحقيق أحلامهم وأمانيهم مع رفيق العمر، في حضن صفحاته تمزقت صلةُ الرحم وصلاتُ الود والرحمة بين البشر، هو كارثة تخاطبية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

وعلى الجانب الآخر للكارثة ترسو سفينةُ العلاقات التي تشكلتْ بواسطته وأنبتتْ زرعًا شيطانيًّا فور أن يرى النورَ يحترق، هي علاقاتٌ مجهولة بدأت من كلمة أو كلمتين لأناسٍ لا يُدركون مع من يتحدثون، فالشات المكتوب مجهولُ الجنس والشخصية والملامح، قد أضع اسمًا وصورةً لا يَمُتان لي بصلة، بل قد أتحدث بشخصيةٍ وطباعٍ ومشاعرَ لم أعرفها طيلة حياتي، وهنا يكون الفخ، علاقةٌ نُسِجت عبر الأجهزة المحمولة غالبًا ما تَسير إلى مثواها الأخير حال رؤية طرفي العلاقة للآخر في العالم الواقعي.

خواطرُ تحطّمتْ، وقلوبٌ كُسِرَتْ وعيونٌ نامتْ على دموعِها بسبب رسالة، قد تحمِلُ من الأخطاء اللغوية ما يَفوق حروفَها أحيانًا. ما هذه الاستهانةُ بالقلوب والمشاعر والخواطر؟ ما هذه الخِسة في التعامل مع الإنسان وجرحه دون مراعاة؟ ألم تقرأوا حديثَ سيدنا النبي _ صلى الله عليه وسلم _: عن ابن عباس قال: لما نظرَ رسولُ الله _ صلى الله عليه وسلم _ إلى الكعبة، قال: مرحبًا بك من بيت، ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمتَكِ! ولَلْمُؤمِنُ أعظمُ عند الله حُرمةً منكِ. (أخرجه البيهقي) .

للإنسانِ حُرمةٌ عند الله أعظمُ مِن حُرمةِ الكعبةِ المُشرفة، فامنحها القدسية، ولا تستهينوا بقلوبِ الناس ومشاعرِهم، فهي ليست تسليةً لملء فراغ أوقاتكم، وكما يقول العرب : (وكلُّ ساقٍ سيُسْقَى بما سَقى).

ووَفقًا لأحدثِ دراسةٍ أجرتها جامعة كاليفورنيا عن التواصل الناجح، فإن التواصل بين البشر يعتمد على ثلاثة أعمدة: نبرة الصوت و أهميتها ٣٨٪ ، ولغة الجسد ٥٥٪، والكلام نفسه الذي يُقال، وتأثيره لا يتجاوز الـ ٧٪ ، وهذا حالَ التحدثِ وجهًا لوجه، فما بالُك بحديث الشاشات وحوارات الشات؟!!

ربوا أولادكم على حُرمة الكلمة، وكيف تتحول كلمةٌ بسيطة لسكّينٍ حاد أو لدواءٍ ناجع إذا ما استُخدمتْ في الزمان والمكان المناسبين، ربوا أنفسكم وأولادكم على الرحمة والحنان والرأفة بالبشر قبل الحيوانات، وعلموهم أن أقوالهم وأفعالهم ستطرُقُ أبوابَهم يومًا ما، فليستعدوا لها.

زر الذهاب إلى الأعلى