حازم البهواشي يكتب: مرحب شهر الصوم

يُرحبُ المرءُ بمَن يُحب، ويَزدادُ ترحيبُه بزيادةِ المحبةِ والشوق، أما عنوانُ المقال فهو مطلعُ الأغنيةِ الشهيرة التي نستقبل بها شهر رمضان، وهي من كلمات “محمد علي أحمد” (1914م _ 1977م)، وألحان وغناء “عبد العزيز محمود” (1914م _ 1991م)، وقد ظهرت للنور عام 1966م ولا تزال منيرةً حتى الآن: (مرحب شهر الصوم مرحب، لياليك عادت في أمان // بعد انتظارنا وشوقنا إليك جيت يا رمضان)، فالحمد لله أن عادت ليالي رمضان ونحن في مصر بلد الأمن والأمان، ولكنّ هناك إخوانًا لنا في بلاد كثيرة حُرِموا نعمة الأمان، نسأل الله أن يُعينهم على ما هم فيه، فإني أخشى ألا يكون لنا رمضان إن لم نشعر بأحوال إخواننا، وإن تخاذلنا عن نصرتهم بما استطعنا، وأقل ما نستطيع _ وهو لو تعلمون عظيم _ الدعاء.
هل أنت _ صِدقًا _ فَرِحٌ مُرحِّبٌ بقدوم رمضان، أم أنه شهرٌ ثقيلٌ عليك؟! إن هذا يعتمد على فهمك لماهية فَرْضِ الله _ سبحانه وتعالى _ صيامَ هذا الشهر علينا؛ فمسألةُ الإحساس بالفقير وبما يعانيه يُبطلها أن الفقيرَ يصوم أيضًا!! فليست هذه حكمةً صالحةً وحدها!! تأملْ آيةَ الصيام التي نحفظها جميعًا: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” ( البقرة _ 183 )، إذًا، ما دُمتَ قد آمنتَ بالله، فالنداءُ مُوَجَّهٌ لك، وينبغي عليك أن تصوم، ما دُمتَ قد آمنتَ بالله، فقد آمنتَ بعِلْمِه، وحِكمتِه، وقُدرتِه، ورحمتِه، وعَدْلِه. ولكنْ، ما الحكمةُ يا رب؟! “لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، نتقي ماذا؟!! هل نتقي الطعامَ الطيب الحلال؟! هل نتقي الزوجة المخلصة الطيبة؟! إن هذا من الممنوعاتِ علينا!! والإجابة: لا، بالطبع، ليس هذا هو المقصود!! إن كلمة (تتقون) تعني وجودَ خطرٍ ينبغي أن نَحذَرَه، فما هذا الخطرُ الذي فرضَ اللهُ الصيامَ علينا حتى نتقيه؟! إنه النقلة المُفاجئة من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة، ففي الدنيا مهما كنتَ تملك ستترك، ولن ينفعَك ما كنتَ تملك إلا إذا عبَّدتَه لله الذي فرضَ عليك الصيامَ ليُساعدك على أن تتقيَ هذه النقلةَ المفاجئةَ الأكيدة التي لا شك فيها، فرمضانُ مَوسمٌ للطاعات، وفرصةٌ عظيمةٌ لمغفرةِ الذنوب، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ مِن ألفِ شهر، فإن لم يُغفر لنا في هذا الشهر، فمتى يُغفر لنا؟! فيا حسرةَ من خرجَ منه كما دخل “رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له”، الصيام إذن يساعدك أن تكونَ أسعدُ لحظاتُ حياتك عند لقاءِ ربك، الصيامُ من أجل أن تتذكرَ هذا اليوم، من أجلِ أن تتقيَ هذا الخطرَ الذي ينتظرك إن لم تُعِدّ العُدَّة. اتقِ بالصيام ظُلمةَ القبر، عذابَ النار، وعقابَ الله.
فلنُقبِل على الله لتعويضِ ما فاتنا، ولفتحِ صفحةٍ جديدةٍ في حياتنا، في علاقتنا مع خالقِنا الذي بيده مقاليدُ كلِّ شيء، بيدِه الأمرُ كُلُّه. ومَن يتوهم أن الدينَ عباداتٌ شعائرية فقط (صلاة _ زكاة _ صوم _ حج)، لم يفهم الدين، فحقُّ لا إله إلا الله أن تحجزَك عن محارم الله، وحقُّ الصلاة أن تنهاك عن الفحشاء والمنكر، وحقُّ الزكاة أن تطهرك وتزكيك، وحقُّ الصيام يظهرُ في حديث رسول الله: “من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ”، والحَجُّ يحتاج إلى نفقة حلال وإلا كان مردودًا على صاحبه.
الدينُ عباداتٌ تعامليةٌ لا تنفصل عن العبادات الشعائرية التي هي ذاتُ أهدافٍ سلوكية، وإلا أتى المرءُ منا يومَ القيامة مُفلسًا، كما في الحديث الشريف: ” … إنَّ المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ، وزكاةٍ، ويأتي وقد شتَم هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضربَ هذا، فيُعْطَى هذا من حَسناتِه، وهذا من حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ، أُخِذَ من خطاياهم، فطُرِحَتْ عليهِ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ “.
الصيامُ دورةٌ مُكثفةٌ لطاعةِ الله والصُّلْحِ معه، وتنفيذِ أوامرِه، واجتنابِ نواهيه، والإقبالُ عليه، وتَذَوُّقُ طَعْمِ القُرْبِ مِنه، والقرارُ بيدِك، فانهضْ تَفُزْ.