مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: هل يحبنا الله؟

ما يتضمنه هذا المقال هي خواطرُ أتشاركها معكم، لعلها تجد قَبولًا عند أحدكم، وتلمس ظلامًا بالنفس وتضيئه، كما حدث معي.

عندما كنتُ صغيرة، ظل تساؤلٌ في عقلي يدور ألا وهو: لماذا هناك ابتلاء ما دام الله يُحبنا؟! لماذا هناك نار ما دام الله يُحبنا ؟! أليس الله رحيمًا ورحمانَ؟! إذن لماذا لا يُدخلنا الجنةَ بغير حساب؟! وهذا جعلني أتحير ويَزيدُ مقدارُ خوفي من الله والحساب والغيب عن المحبة لخالقي.

وزاد من هذا التمزق ما مررنا به في حِقبة التسعينيات من شيوخ المدِّ الوهابي وسيل شرائط الكاسيت المكتظة بالصراخ والعويل والبكاء غير المبرر عن عذاب القبر وفتنة المسيخ، والنساء الكاسيات العاريات، ويكأن الإسلامَ دينُ برزخ!! ويكأن وجودَنا بالدنيا لا لإعمارها، بل لتكفير من فيها نظامًا ورحِمًا ومجتمعًا!!

خطابٌ ديني غاب عنه العقلُ والوعيُ بالإسلام كما قدمه المصطفى _ صلى الله عليه وسلم _ لنا، غاب عنه المفكرون والعلماء المؤمنون بأنه دينُ عملٍ وحياة، عقيدةٌ تحث على التفكير والسعي و طلب العلم، منهجٌ يُعطي للنساء حقوقًا لم ولن يَمنحها تشريعٌ دنيوي.

وسط كل ذلك ضاع معنى المحبةِ لله واستُبدل بخوفٍ من عذابه، فارتبطت العباداتُ بالجسد لا بالقلب، حتى يوم وقفتُ فيه أمام جملةٍ واحدة قالها سيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم _ في حديث نصه: (عن عمر بن الخطاب قال: قُدِم رسول الله ﷺ بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى، إذْ وجدتْ صبيًّا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله ﷺ: أترون هذه المرأة طارحةً ولدَها في النار؟ قلنا: لا والله، فقال: الله أرحمُ بعباده من هذه بولدها). (متفق عليه).

(الله أرحمُ بعباده من الأم بولدها)، هنا توقفتُ؛ لأنَّ أسمَى وأعلى درجات الحب الملموس في هذه الدنيا هو حبُّ الأم لأبنائها، فهي ببساطة قد تُقدمُ حياتها من دون ترددٍ للحظة؛ لينجوَ أبناؤها. تأمل معي _ ولو قليلا _ هناك من يحبك أضعافًا مضاعفة مقارنةً بهذا الحب، إنه الله عزّ وجلّ!! إذن عندما يبتليك هو يؤدبك ويُصْلِح مسارك، عندما يُحذرك من النار، كالأم التي تخاف عليك من الأذى، لكنها لن تُلقيك في النار، عندما ترجوه في أمرٍ حميد أو تشكو له من ظلم، هل يتأخر؟! أتتأخر والدتك في إرضائك مادام بيدها الأمر؟! بل تأتيك به فوق ما تحب، وتبذلُ كلَّ مجهودٍ لإتمامه، فما بالك بالقادر المجيب الرحيم الودود؟!

فقط الأمر يحتاج لاستحضار محبة الله لك في كل لفتةٍ من لفتات حياتك، لتتيقنَ أن قدَرَه دومًا هو الأفضلُ لك، وبقَدْرِ يقينِك مِن هذه المحبة، بقدر سعادتِك في الدنيا والآخرة.

زر الذهاب إلى الأعلى