راندا الهادي تكتب: التلوث… ابننا الشرعي!
إذا اعتقدتَ أن هذا المقالَ يتضمن تحذيراتٍ وأجراسًا للإنذار تدق ذهابًا وإيابًا للتنبيه لمخاطر التلوث البيئي وتبعات التغيرات المناخية، فقد خاب أملك، لكن لا تضِقْ صدرًا أيها القارئ؛ ففيه ستجد أنواعًا أخرى من التلوث تُكدر علينا الحياة، ولكنها من الأنواع الخفية، تحتاج دقةً بالملاحظة وصفاءَ رؤية، وكلاهما شديد الندرة هذه الأيام.
التلوث البصري هو ما أُحب أن أبدأ به، حيث يَصدم عينيك في كل مكان ألوانٌ متنافرةٌ في كل شيء، بدءًا من المباني وملابس المارة واللافتات، كلٌّ في وادٍ – كما تقول أمي -، لا نعرف هل هذا ناجم عن اضطرابٍ داخلي أم انعدامِ الذوق أم ضِيق اليد، ولكن إذا سألتَني عن رأيي الشخصي سأجيب: هو اضطرابٌ ناتجٌ عن انعدام الرفاهية وبالتالي إهمالٌ بيِّنٌ للذوقِ واعتباراتِه.
كيف لي وأنا أصحو كل يوم لا يشغلني إلا تأمينُ احتياجات أسرتي الأساسية من مأكلٍ ومشرب أن أمنحَ انتباهي للألوان التي أرتديها أو ترتيب مكتبي وحتمية بوكيه الورد والأخضر في جنبات المكان؟! كيف لي أن أختارَ الألوانَ وميزانيةُ الملابس الجديدة لا تكفي لإكمال طقم واحد، فما بالك برفاهية تنسيق الألوان؟!
التلوث الثاني والأكثر إزعاجًا هو التلوث السمعي: أبواق السيارات، الباعة الجائلون، أغاني المهرجانات، ونباح الكلاب التي ملأت الشوارع، أضف إلى ذلك برامج (التوك شو) على معظم القنوات إلا ما رحم ربي!
التلوثُ البصري والسمعي بالإضافة إلى التلوث الأخلاقي – وهذا الأخير تحدثتُ عنه في مقال سابق، عندما طالبتُ بعدم الخلط بين القيم والمبادىء ومنحها مسميات مغايرة لحقيقتها، كاعتبار الجُبن أدبًا، وضعف الشخصية حياءً، والوقاحة صراحة – أشد فتكًا بالمجتمعات من أنواع التلوث الطبيعية، لأن علاج البدن أهونُ بكثير من علاج النفس وإصلاحها.
كنتُ ذات مرة في زيارة لطبيب وأخبرني بضرورة اعتزال مسببات التلوث كضرورةٍ للشفاء مما ألمَّ بي، وقتها ضحكتُ وقلتُ له: إذن لا شفاء!! فهل جاء الوقتُ للبحث عن كوكبٍ بديلٍ للأرض أم لا يزال في الجعبة تلوث؟!!