محمد محمود عيسى يكتب: من يدفع ثمن الفشل؟
تمر مصر هذه الأيام بما يشبه حالة الفوضى الاقتصادية الشاملة والتي تضرب جميع الأسواق وتشمل كل السلع تقريبا على اختلاف تنوعها واختلافها مع غياب شبه تام وكامل لكل أشكال الرقابة والتحكم والسيطرة على سلاسل الإمداد والتوريد للأسواق المصرية بداية من المحتكر والمتحكم الرئيسي في السلعة وحتى وصولها إلى الكشك الموجود على ناصية الشارع الذي تسكن فيه وعلى الناحية الأخرى نجد توحش وتغول السوق السوداء في ظاهرة غريبة وسوداء حقيقة ولا توجد على ما أعتقد إلا في لبنان والسودان مع ما وصل إليه الاقتصاد والأسواق وانهيارات العملة وتردي وسوء الأوضاع المالية والمعيشية في هاتين الدولتين اللتين تتشاركان مع مصر في ظاهرة السوق السوداء ومع أن المتعارف عليه أن السوق السوداء كانت خلال السنوات الماضية تقتصر على تجارة العملة فقط إلا أنها الأن ومع انعدام الرقابة ودخول عناصر داخلية وخارجية لهدم اقتصاد الدولة المصرية والعمل على انهيار الأسواق والعملة المصرية ومع غياب الحلول الحكومية الحاسمة والسريعة للسيطرة على الأزمات الاقتصادية التي تضرب البلاد وتأخر القرارات الاقتصادية والحكومية لضبط الأسواق والسيطرة على انفلات الأسعار انتشرت موجات الغلاء الفاحشة والقاسية التي تحاصر المواطن في حياته اليومية وأصبحت السوق السوداء تدير وتتحكم في أسعار الأجهزة المنزلية والكهربائية والأدوية والسلع الغذائية فيما يشبه الدول الفاشلة والمنهارة اقتصاديا وحتى اليوم لا يوجد توصيف حقيقي لهذه الحالة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الموطن المصري سوى وصف الفشل الاقتصادي والذي انعكست أثاره على البلاد والعباد .
دعونا نناقش الأمور بالعقل والمنطق هل تتعرض مصر لضغوط وحصار اقتصادي خانق بسبب مواقفها السياسية الخارجية الأخيرة وخاصة موقفها من قضية استقبال اللاجئين الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية؟
نعم تتعرض مصر لضغوط اقتصادية كبيرة وحصار اقتصادي دولي خانق نتيجة رفضها لإتمام صفقة القرن وتعنتها ورفضها الحاسم استقبال اللاجئين الفلسطينيين في سيناء وتصفية القضية الفلسطينية ومع أن المتاح من معلومات كان يقول أن مصر رفضت إسقاط دفعة كبيرة من الديون والموافقة على منحها دفعات من القروض والتسهيلات المالية الجديدة ولكن رفض مصر القاطع لاستقبال اللاجئين وتصفية القضية الفلسطينية منع إتمام هذه الصفقة وهو في الحقيقة موقف مصري وطني ومشرف ومع تفجر الأزمات الخارجية في محيط مصر الإقليمي والدولي مما كان كان له تأثير كبير على الاقتصاد المصري ووضعه تحت ضغوط وتأثيرات سلبية كبيرة أثرت بشكل سلبي على مسيرة الاقتصاد المصري ولكن ما كان للاقتصاد المصري أن يتأثر بهذه الأزمات والأحداث الخارجية والإقليمية لو كان يدار بواسطة خبراء عالميين في إدارة الاقتصاد يملكون الخبرات العالمية والرؤية العلمية المستقبلية لتقدير المواقف والأزمات الاقتصادية العالمية والإقليمية ووضع الخطط المناسبة للتعامل معها والخروج بأقل الخسائر منها خاصة وأننا في بؤرة الأحداث والأزمات وتقديرات المواقف السياسية والاقتصادية تؤكد على أن مصر في بؤرة الأحداث والأزمات الإقليمية والعالمية مما كان يفرض على هذه المجموعة الاقتصادية وضع الخطط الاقتصادية المرنة والمناسبة لظروف الاقتصاد المصري بما يجعله يتوائم مع كل هذه الأزمات والأحداث ولا يسقط ولا ينهار بدلا من المجموعة الاقتصادية الحالية التي تدير الاقتصاد المصري بطريقة تقليدية عتيقة وبأسلوب مدارس وسياسيات اقتصادية عفى عليها الزمن وأصبحت لا تتوائم مع متطلبات الأسواق المالية والاقتصادية العالمية الحديثة ولا حتى تتوائم مع ظروف مصر الاقتصادية والسياسية والتاريخية وأكبر دليل على ذلك هو وقوع مصر في فخ وكمين الديون المالية الكبيرة لصالح المؤسسات المالية والنقدية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي تحديدا والتي حذرت قيادات لصناديق استثمارية وسيادية عربية وخليجية شقيقة مصر من الوقوع في فخ وكمين هذه الديون أو وضع خطوط حمراء لمعدل الاقتراض والتحذير من الاقتراض منها بفوائد كبيرة لا تثقل كاهل الاقتصاد المصري فقط بل تجره إلى حافة التردي والانهيار وهو ما يحدث حاليا ولكن المجموعة الاقتصادية والحكومة المصرية لم تستمع إلى هذه النصائح واستمرت في الانزلاق في هاوية الديون والاقتراض من صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية حتى نجحت هذه المؤسسات المالية وصندوق النقد الدولي في مخططها وأحكمت قبضتها السوداء على مصر وأصبحت تفرض عليها سياساتها الاقتصادية والتي في ظاهرها أنها سياسات اقتصادية إصلاحية وهي في حقيقية الأمر سياسات هادمة ومحاصرة وخانقة للاقتصاد والأسواق المصرية حتى وصل تردي وسوء الاقتصاد المصري أنها أصبحت عاجزة عن دفع وتسديد ودائع واستحقاقات مالية لدول خليجية شقيقة حان موعد سدادها ونظرا لظروف مصر الاقتصادية تم تمديد موعد استحقاق هذه الودائع المالية ومع أن سوابق التاريخ لبعض الدول العالمية مع صندوق النقد الدولي لهذه الدول كانت كلها فاشلة وعادت على هذه الدول التي خضعت للصندوق بخسائر وانهيارات مالية وهدم اقتصادي لهذه الدول التي كانت لها سوابق في التعامل والوقوع في خطأ الاقتراض من الصندوق ولكننا من الواضح أننا لا نقرأ ولا نتعلم من تجارب هذه الدول ولا نتعلم من دروس التاريخ ولا نستمع لنصائح الدول المجاورة ومع كل هذه الظروف الاقتصادية شديدة السوء ومع كل هذه الضغوط الدولية الكبيرة والتي وصلت لحد إغلاق قناة السويس لزيادة الضغط الاقتصادي على مصر والعمل على هدم وانهيار الدولة المصرية وعلى الرغم من كل تلك الاحداث والضغوط الخارجية وجدنا حالة من الفشل والفوضى في الأسواق المصرية وفشل السيطرة عليها حتى أصبحت السلع يزيد سعرها في اليوم الواحد عدة مرات وأصبح الكبار ومن يملكون زمام التحكم والسيطرة في الأسواق والسلع يمارسون أقسى أنواع الاحتكار والجشع للسلع وخنق الأسواق الموازية للسلع فيما يشبه التوافق والاتفاق مع الضغوط الدولية سواء كانت بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلا أنها صور سيئة وقبيحة للضغط على المواطن المصري في حياته وفي معيشته وأيا كانت مبررات هذه الأزمات وأيا كانت أسباب معارك تصفية الحسابات وإفشال الدولة والتي وصلت إلى ما يشبه معارك تكسير العظام كيف يكون المواطن المصري هو وقود هذه المعارك ؟ كيف يكون المواطن المصري هو حصيلة سياسات الفشل الاقتصادي لحكومة نظرتها قاصرة وغير مدركة لتقديرات المواقف الدولية؟ كيف يكون المواطن المصري وبعد كل هذه السنوات من دعوات التحمل والصبر والأمل في بناء الجمهورية الجديدة والوصول إلى مرحلة جني الثمار يجد نفسه في صراع مرير وقاسي مع متطلبات المعيشة والحياة اليومية؟ كيف للمواطن المصري وبعد كل هذه السنوات الطويلة يجد نفسه حصيلة تجارب اقتصادية فاشلة لم تعتمد على الخبرات والعقول الاقتصادية العالمية والمصرية الفاهمة والواعية والقادرة على قراءة الأحداث وتقديرات المواقف والأزمات والتي اعتمدت على أسهل الحلول وأفشلها وهو حل الاقتراض بفوائد كبيرة حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من أزمة اقتصادية كبيرة كل حلولها صعبة وسيئة.
وفي الناحية الأخرى هل لو لم نقع في فخ الاقتراض من صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية وبهذه الفوائد الضخمة والكبيرة إلا للضرورة القصوى والمشددة ووضعنا خطوط حمراء لحدود الاقتراض هل كنا وصلنا إلى هذه الأزمة التي نعيشها الآن؟
ربنا يحفظ مصر