مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: هل أنكر شيخ الأزهر معجزة المعراج؟

مع اقتراب ذكرى حادث الإسراء والمعراج كل عام، يخرج المرجفون في المدينة والمتنطعون من جحورهم الآسنة؛ ليشككوا المسلمين فيها، ويثيروا حولها الغبار، لأغراض دنيئة تتوطن نفوسهم الأمَّارة بالسوء. ومن سخف ما يصنعون في كل عام أنهم ينسبون إلى شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمد مصطفى المراغي أنه طعن في معجزة المعراج، بل أنكرها تمامًا، ونفى ارتقاء النبي الكريم إلى السماء، وأنها -في أفضل أحوالها- لم تكن أكثر من رؤيا منامية.
هذه الفريَّة الواهية تنسف -ابتداءً وانتهاءً- المنهج الفاسد الساقط المتهافت لهؤلاء المتنطعين، وتؤكد بما لا يدع مجالاً للريبة، أنهم دُعاة جهل وكذب وتضليل، وأن بضاعتهم قائمة على التدليس والتلفيق والزيف. ينسب هؤلاء المزوِّرون إلى الإمام “المراغي-” الذي عاش بين عامي 1881- 1945، وترأس مشيخة الأزهر مرتين- أنه قطع وجزم بأن معجزة “المعراج” حديثُ خرافة ومحضُ افتراء، ونسبوا إليه كلامًا كثيرًا لم يقل كلمة واحدة منه: شفاهة أو كتابة، كما إنه لا أحد من شيوخ الأزهر الأكابر الذين تعاقبوا عليه على مدار أكثر من ألف عام نفى عروج النبي الكريم إلى السماء. وهنا مكمن الخطر و”مربط الفرس”-كما تقول العرب؛ وهذا شأن هؤلاء المغرضين دائمًا وأبدًا. إنهم يكذبون بالفطرة، ويناصرون الباطل، وإن أخطأوا لا يعتذروا أو يتراجعوا. هم –بطبيعتهم الدنِسة- يُحرِّفون الكلم عن مواضعه، ويقولون: “سمعنا وعصينا”.
الشيخ “المراغي” -الذي يتمسَّح به هؤلاء المتنطعون الآن، رغم طعنهم الدائم في الأزهر الشريف وشيوخه وتشويههم لتاريخه وحاضره ورسالته، هو أحد الإصلاحيين الكبار، وصاحب المواقف الجريئة والمشهودة. لم يكن يخشى في الحق لومة لائم ولا جبروت حاكم، ظل مُمتنًا لأستاذه الشيخ المجدد محمد عبده ولم ينكر يومًا فضله، بل كان يردد دائمًا: “هو المصباح الذي أهتدي به”. لقد تجاوزت دعوة “المراغي” الإصلاحية الحدود القطرية والأطر المذهبية.
إذن ما مصدر الكلام الذي يملأ المنافقون به الفضاء الألكتروني وينسبونه إلى شيخ الأزهر الأسبق كل عام، ويعتبرونه دليلاً على نفي معجزة المعراج؛ بهدف توريط الأزهر الشريف والإساءة إليه، ومن ثم الطعن في القرآن الكريم؟
الإجابة تتلخص في أن الرواية المنسوبة زيفًا إلى الشيخ “محمد” مصطفى المراغي تخصُّ شقيقه الشيخ “أحمد” مصطفى المراغي، المتوفَّى في العام 1952، ولم تكن تعبر عن قناعة الأخير الشخصية، ولكنها كانت عرضًا لأقوال بعض المستشرقين بشأن معجزة المعراج.
وفي ضوء ما تقدم..نخلص إلى أن شيخ الأزهر الأسبق محمد مصطفى المراغي لم يُكذب معجزة المعراج، وأن الكلام المنسوب إليه يخص شقيقه الشيخ أحمد مصطفى المراغي، ولم يكن رأيه الشخصي، بل كلامًا نقله ضمن بحث كبير، منسوبًا إلى قائليه من المستشرقين، ومن ثمَّ.. يتأكد للقاصي والداني فساد منهج هؤلاء الأوغاد في البحث والاستقصاء والاستدلال والاستقراء والاستبيان وخداع العوام وتضليلهم، وأن بضاعتهم كانت ولا تزال فاسدة وتجارتهم بائرة؛ بدليل ما تشهده النسخة الخامسة والخمسون من معرض القاهرة الدولي للكتاب المقامة حاليًا، حيث لا تزال الكتب الدينية والإصدارات الشرعية والفقهية هي الأكثر رواجًا، فيما تراجعت كتابات هذا الفريق الظلامي الضلالي التلفيقي إلى المركز الأخير، أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ.

زر الذهاب إلى الأعلى