راندا الهادي تكتب: غرفة الوحش!!
منذ طفولتي المبكرة وأنا أنظر بفضول إلى هذا الوحش القابع في إحدى الحجرات بمنزل عمتي، وعندما كنتُ أحاول رفع الغطاء عنه كان يتم نَهْري من ابنتها، وتحذيري من عواقبَ ليست حميدة!!
اللطيف أن هذا المنع كان يَزيد فضولي ومحاولاتي لتحيُّنِ الفرصة عند زيارة العمةِ الكريمة لدخول تلك الغرفة، خاصة وأن نظراتي المسروقة من بابها، كانت تكشف لي عن تضخم هذا الوحش يومًا بعد يوم!!
هذه البدايةُ لمقالي ليست اقتباسًا من روايات (توم سوير) ومغامراته، رغم أن طفولتي المبكرة كانت والله أكثرَ ثراءً منه، لكن نعود للوحش عند عمتي، فعندما بلغتُ من السن ما يمنحني الجرأة للسؤال المباشر: ما هذا الشيء المُغطى بالغُرفة (يا طنط)؟! ابتسمتْ وقالت: إنه جهاز بنت عمتك، عقبالك يا قمر!!
وبعد جولةٍ اصطحبتني فيها عمتي لتُريَني بفخر ما اشترتْه طوالَ سنوات وخبَّأته ليوم ابنتها البعيد جدًّا الموعود – وقتها – تعجبتُ!! وخالجني الخوفُ من المستقبل والقلق من عدم انتباه أمي لهذا اليوم وضرورة الإعداد له!!
أما التعجبُ فمن كثرة ما تحتويه الغرفة (غرفة الوحش) من أشياءَ تؤدي نفس الغرض، وأما الخوفُ من المستقبل، فجاء نتيجةَ تفكيري الطفولي بأنَّ عمتي قد حَرمتْ بناتِ جيلي من مثل هذه التجهيزات لأنها اشترتها ولم يعد لها مثيل!! حيث كانت دومًا تُذيِّلُ ما تُرِيه لي بمقولة: (دي لُقْطَة مش هتلاقوها تاني)!!
نأتي للقلق من أمي، التي جريتُ عليها يومها لأنبهها من هذا التكاسل عن السعي لتجهيزي، خاصة وأن العمةَ قد أتتْ على العديد من المنتجات في الأسواق التي ليس لها مثيل – على حد قولها -!! فضحكتْ أمي وقالت: (ماتقلقيش، يُومَها هنجيب كل اللي نفسك فيه).
لا أُنكر أن والدتي وقتها طمأنتني، ولكن لم تمنع كوابيسَ كانت تُلاحقني عن خلاءِ الأسواق وفراغ بيتي المستقبلي من كل التجهيزات!! كبرنا، وضاعتْ منا أيامَ الطفولة وعلمتُ أن أمي كانت على حق، وعمتي كانت حبيسةً لمعتقداتٍ عند كل المصريين عن الخوف من الغد وقتل الاستمتاع بالحاضر! ببساطة أُضيق على نفسي وأهلي لشراء تجهيزات لشقة بنت لم تتجاوز بعدُ الأعوامَ العشرة، أدخر وأحرم أسرتي من الفُسَح والخروجات لأن الولد داخل على ثانوية (وهيحتاج دروس وكورسات)، تكلفتُها قادرة على ضمان مشروع صغير له أو سفرِه للتعلم خارج البلاد!! شراء سيارة أكبر وبشنطة أوسع لأنها ستلزمه بعد الزواج لتكفي الأسرة، لتصبح مأساةً متحركةً سواء لاإجاد مكان للركن أو مكان في شوارع البلد المزدحمة.
ومن الحيوي إلى أبسط الأمور عند المصريين، مثلا كشراء حذاء أكبر بمقاسين لأن رِجله أو رِجلها (هتكبر)، (ينفعهم سنتين قدام)!! شراء العروض في (الماركت) رغم أنني لا أحتاج هذا الكم الهائل من المنتج، (بس دا عرض)!! ومَن قال إنك تحتاج هذا العرض أصلا؟! وهكذا العديدُ من العادات الخاطئة والمعتقدات المتوارثة التي تُفقدنا الاستمتاعَ بالحاضر وتَحصِرُنا في ماراثون طويل عن الاستعداد للمستقبل.
ونأتي هنا للسؤال المهم: لماذا لا نُعمل عقلنا؟! لماذا لا نسأل أنفسنا؟! لماذا لا نقف ونقول لكل تلك العادات والمعتقدات: لا، لن أفعل ذلك؟!!! سأستمتع أنا وأسرتي بما لدينا وعندما يأتي اليومُ الموعود لابنتي سأنصحها بشراء ما تحتاج له فقط، ولتكن البساطة عنوانَ بيتها، سأترك ابني يجتهد ويذاكر، ووفقًا لقدراته يبدأ مستقبله الذي بلا شك سيتعلم فيه الاعتمادَ على النفس وليس أموال والديه، سأشتري ما هو مناسب لظروفي الحالية، سواء كانت سيارة أو هاتف أو حتى قلم رصاص، ولن أَحْمِلُ أعباءً قبل أوانها!!
أعتقد، عندما نصل لتلك الإجابات النموذجية ونتحرر من قيد العادات والمعتقدات الخزعبلية، لن يتضخم الوحش في بيت عمتي أو غيرها، وبلا شك لن يتبخر المرتب على العروض، ولعل الكوابيس لن تطاردني خلال نومي!! ومن هنا أرجوكم … استمتعوا بحياتكم، وليتقزم الوحش!!