راندا الهادي تكتب: زرع فلسطين الرباني
كل مرة تتصاعد فيها وتيرةُ الأحداث وتتفاقم الأوضاعُ في الأراضي الفلسطينية، يدور هذا السؤال في ذهني: ما طبيعةُ هذا الشعب؟!! وهذا السؤال ليس من منطلق الجهل وبغية الاستزادة من المعلومات، لا وإنما من منطلق التعجب والانبهار.
ولعلكم تشاركونني هذا التساؤل إذا ما التقطتْ أبصارُكم خلال الأيام المنصرمة هذه الڤيديوهات لأطفال فلسطين – وليس غزة – التي تعكس هذه العقليةَ المُعقدة لبشرٍ يَفقدون يوميًّا عزيزًا عليهم – بل أعزاء – وهم صامدون ثابتون كما الجبال، رافضون الخضوعَ، رغم كَمِّ الخذلان الذي يواجهونه كل لحظة، ولكنهم أطفال!!
هناك من كتبتْ وصيتَها لتقسيم إرثها الطفولي، وهناك من كتبتْ اسمَها على يدِها؛ حتى يتم التعرفُ عليها إذا ما فقدتْ حياتها، وهناك مَن تتحدثُ بثبات للكاميرات مُتباهيةً باستشهاد والدها، مُلوحةً بيديها الصغيرتين: ” كلنا فداكِ يا قدس “، وهناك من احتضن أختَه بعد رحيلِ كلِّ من يعرفه تحت الأنقاض، ليحفُرَ في مُخيلة كل من يشاهده معنى السند والرجولة.
أطفالٌ وسط هذه الحرب غيرِ المتكافئة، وسط هذا القصف والقتل والانفجارات ورائحة الموت التي أصبحت ملازمةً لأنوفهم الصغيرة، من الطبيعي أن تستوطنهم الأمراضُ النفسية، من الواقعي أن يحتاجوا لجلسات وجلسات من إعادة التأهيل لمجرد استكمال حياتهم كبشر، لكنهم أطفالُ فلسطين.
إنهم أطفالٌ سِنًّا، كِبارٌ عمالقةٌ فكرًا وشعورًا، يتنفسون تاريخهم، لا يَثنيهم عدوٌّ ولا قصفٌ ولا مواقفُ مُناهضةٌ لحقهم، عن حقيقة أنهم يومًا ما سيستعيدون كاملَ التراب الفلسطيني، وسيدخلون مدنهم وقراهم التي هُجِّروا منها، ويزرعون هذه الأراضي التي اشتاقت لضربة فؤوسهم، واشتاقوا لخيرها وزيتونها.
هم أطفالٌ ولكنهم فاقوا الأسَنَّ منهم في الصمود والتضحيةِ والعزم – رجالًا ونساءً، في مغارب الأرض ومشارقها – فاقوهم في الثبات والأمل واليقين بأن غدًا لهم، بأن الزوالَ لعدوهم، بأنهم غرسُ فلسطين الرباني الذي لن يذبل أو يموت ما داموا يتنفسون.