مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: لماذا يا رب؟!

0:00

مآسي غزة طرحت عند البعض سؤالًا _ على أرضيةٍ إيمانية _؛ تعاطفًا مع أشقائنا الفلسطينيين، فحوى السؤال: لماذا يَسمحُ اللهُ بحدوث هذا؟! لماذا يَسمحُ بقتل الأطفال؟! لماذا يَسمحُ بإيذاء الأبرياءِ عمومًا؟! وقبلَ أن أشرعَ في الإجابةِ على السؤال، ينبغي أن أشيرَ إلى أن ما يَحدث منذ يوم السبت السابع من أكتوبر عام 2023م يجعلنا على ثقةٍ أن قضيةَ فلسطين هي أُمُّ القضايا، إنها قضيةُ كلِّ مسلم، إنها أمانةُ الدين، وليست مجردَ قضيةِ أرضٍ وحدودٍ وسياسة (كما وصفها قاضي قضاة فلسطين د/ محمود الهباش)، وعليك أن تتأكد أن وعد بلفور (2 من نوڤمبر 1917م) بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي (هم ينظرون إلى أن اليهودَ _ أيًّا كانت جنسياتُهم _ شعبٌ واحد)… ما حدث هذا الوعدُ إلا ليكون توطِئةً لوعدِ الله ” كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ” ( المجادلة _ 21 ).

نعود إلى السؤال: لماذا يا رب؟! سبحانه هو الذي يُحمد على السراء والضراء، لأنه مدبرُ الأمر، وكل شيء عنده بمقدار، لكننا نريد أن نعيَ الحكمةَ من وراء عدم تدخل رب العالمين لمنع وقوع كل هذا العدد من الضحايا!! لماذا لم يأمر اللهُ القذائفَ التي أُسقِطَت على المستشفى المعمداني بغزة مساء الثلاثاء 17 أكتوبر 2023م بأن تسقط في مكانٍ آخر؟!

وأنت تبحثُ عن الإجابة، اُنظُرْ إلى القرآن، حين قَتَلَ العبدُ الصالحُ الغلامَ، سأل سيدُنا موسى عليه السلام سؤالَنا هذا: لماذا قتلتَ الغلام؟! إن العبد الصالح يُمثل القدرَ والأمرَ الإلهي، والغلامَ يُمثل المظلومَ الذي نغضب لأجله.
العبدُ الصالح ذكَّر موسى بوعد الصبر الذي قطعه على نفسه؛ فليستْ كلُّ حِكَمِ الله جلية، ربما تظهرُ لك الحكمةُ بعد فترة كما حدث لأصحاب السفينة، وربما لا تعلمها حتى الممات، إذ لم يعلم أبو الغلام وأمُّه حتى نهاية حياتِهما، لماذا قُتل ابنُهما؟! كذلك فإن سيدَنا موسى نفسَه هو موسى الرضيع الذي اقتضتْ حكمةُ الله أن يَقتلَ فرعونُ أطفالًا كثيرين حتى لا يكونَ من بينهم مَن يُزيلُ مُلْكَه، فافتدى هؤلاءِ الأطفالُ موسى ليتحققَ وعدُ الله!! وينبغي أن نؤكدَ هنا أن الحياةَ الدنيا التي نعيشها لها امتدادٌ آخرُ في حياةٍ أبدية، ننتقلُ معها من دار الابتلاء إلى دار الجزاء، ولا تنطبق عليها قوانينُ الدنيا!!
إن هذه الدماءَ الزكيةَ تُسهم في إفاقتنا من غفلتنا، وفي توجيه البوصلة نحو العدو الحقيقي، وفي إظهار الحقائق التي لولاها لظلت الغشاوةُ على أعيننا نرى المجرمين أدعياءَ سلام، والضالين أصحاب منهج!!

سبحانه لم يأمر بحدوث الشر، لكنه سمح بوجوده ليختبرَ الإنسانَ كتطبيقٍ عمليٍّ لحرية الإنسان بين الخير، والشر، واللهُ لا يُصادر حريتَك في الاختيار، حتى لا يَسقطَ نظامُ الثواب والعقاب، وبناءً على هذا النظام يستحق أناسٌ دخولَ الجنة، وآخرون دخولَ النار، فاطمَئِنْ لعدل ربِّك، الذي لم يجعل الحياةَ الدنيا هي النهاية، فيفوز من طغى وعربد ولا يتلقى جزاءً عما فعله!!

إلى العدو الذي انكشف أمام أعين كل من كان يغالط نفسه: لن يرحل أهلُ فلسطين من أرضهم ما بقي التين والزيتون، وأنتم سترحلون!! لن يركع شعبنا الفلسطيني لكم وهو الذي لم يعرف الركوعَ إلا في الصلاة!!
لن يفرط شعبنا في ميراث رسول الله، في أرض الأنبياء، في بوابة الأرض إلى السماء حتى يأتي أمرُ الله.

في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ) وفي رواية لمسلم: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ)
وفي رواية الإمام أحمد في المسند عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ ( ضيق المعيشة أو شدة المرض ) حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (الأماكن المجاورة)”.

أيها العدو إنك تحارب شعبًا حريصًا على الموت حرصَك على الحياة، شعارُه: (القدسُ في العيون، نفنى ولا تهون)، يقول أبناؤه الصغيرُ قبل الكبير:
اقتلُوني مَزقوني // أغرِقُوني في دمائي //
لن تعيشوا فوقَ أرضي // لن تطيروا في سمائي!!

إننا نواجهُ تحديًا يستهدفنا جميعًا، فإما أن ننهضَ جميعًا أو أن نؤكلَ فُرادى!! فسلامٌ عليكِ يا فلسطين من كل قلبٍ نابضٍ بالإنسانية، من كل حجر، وكل شجر، ومن كل نَسمةِ هواء، وقطرةِ ماء في بلادنا العربيةِ والإسلامية، نُكفكف دمعَكِ ونُضمدُ جراحَكِ ونصونُ عِرضَكِ.
” إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” ( الأنبياء _ 92 ).

زر الذهاب إلى الأعلى